صفحة جزء
قوله تعالى : الذين يأكلون الربا الآية

أخرج أبو يعلى من طريق الكلبي ، عن أبي صالح ، عن ابن عباس في قوله : الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس قال : يعرفون يوم القيامة بذلك لا يستطيعون القيام إلا كما يقوم المتخبط المنخنق، ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا . وكذبوا على الله ؛ وأحل الله البيع وحرم الربا ، ومن عاد فأكل الربا ، [ ص: 362 ] فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون . وفي قوله : يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا الآية . قال : بلغنا أن هذه الآية نزلت في بني عمرو بن عوف من ثقيف، وبني المغيرة من بني مخزوم ؛ كان بنو المغيرة يربون لثقيف ، فلما أظهر الله رسوله على مكة ووضع يومئذ الربا كله، وكان أهل الطائف قد صالحوا على أن لهم رباهم ، وما كان عليهم من ربا فهو موضوع ، وكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخر صحيفتهم : " أن لهم ما للمسلمين، وعليهم ما على المسلمين، أن لا يأكلوا الربا ولا يؤكلوه " . فأتى بنو عمرو بن عمير ببني المغيرة إلى عتاب بن أسيد - وهو على مكة - فقال بنو المغيرة : ما جعلنا أشقى الناس بالربا ووضع عن الناس غيرنا ؟ فقال بنو عمرو بن عمير : صولحنا على أن لنا ربانا . فكتب عتاب بن أسيد ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم . فنزلت هذه الآية : فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب .

وأخرج الأصبهاني في " ترغيبه " عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يأتي آكل الربا يوم القيامة مختبلا يجر شقيه " ثم قرأ : " لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس " .

وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس في الآية [ ص: 363 ] قال : آكل الربا يبعث يوم القيامة مجنونا يخنق .

وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر من وجه آخر، عن ابن عباس : لا يقومون الآية . قال : ذلك حين يبعث من قبره .

وأخرج ابن أبي الدنيا ، والبيهقي ، عن أنس قال : خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر الربا وعظم شأنه فقال : " إن الرجل يصيب درهما من الربا أعظم عند الله في الخطيئة من ست وثلاثين زنية يزنيها الرجل، وإن أربى الربا عرض الرجل المسلم " .

وأخرج عبد الرزاق ، وابن أبي الدنيا ، والبيهقي في " شعب الإيمان " ، عن عبد الله بن سلام قال : الربا اثنتان وسبعون حوبا، أصغرها حوبا كمن أتى أمه في الإسلام، ودرهم في الربا أشد من بضع وثلاثين زنية . قال : ويؤذن للناس يوم القيامة البر والفاجر في القيام إلا أكلة الربا ، فإنهم لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس .

وأخرج البيهقي عن عبد الله بن سلام قال : الربا سبعون حوبا، أدناها فجرة مثل أن يضطجع الرجل مع أمه، وأربى الربا استطالة المرء في عرض أخيه المسلم بغير حق . [ ص: 364 ] وأخرج عبد الرزاق ، وأحمد ، والبيهقي ، عن كعب قال : لأن أزني ثلاثة وثلاثين زنية أحب إلي من أن آكل درهما ربا يعلم الله أني أكلته ربا .

وأخرج الطبراني في " الأوسط " ، والبيهقي ، عن ابن عباس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " درهم ربا أشد على الله من ستة وثلاثين زنية " . وقال : " من نبت لحمه من السحت فالنار أولى به " .

وأخرج الحاكم وصححه، والبيهقي ، عن عبد الله بن مسعود، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " الربا ثلاثة وسبعون بابا أيسرها مثل أن ينكح الرجل أمه، وإن أربى الربا عرض الرجل المسلم " .

وأخرج ابن ماجه ، والبيهقي ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الربا سبعون بابا، أدناها مثل ما يقع الرجل على أمه، وأربى الربا استطالة المرء في عرض أخيه " .

[ ص: 365 ] وأخرج الطبراني ، عن عوف بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إياك والذنوب التي لا تغفر ؛ الغلول، فمن غل شيئا أتى به يوم القيامة، وأكل الربا، فمن أكل الربا بعث يوم القيامة مجنونا يتخبط " ثم قرأ : " الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس " .

وأخرج أبو عبيد ، وابن أبي حاتم ، عن ابن مسعود أنه كان يقرأ : ( الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس يوم القيامة ) .

وأخرج ابن جرير عن الربيع في الآية قال : يبعثون يوم القيامة وبهم خبل من الشيطان ، وهي في بعض القراءة : ( لا يقومون يوم القيامة ) .

وأخرج عبد الرزاق ، وأحمد ، والبخاري ، ومسلم ، وابن المنذر ، عن عائشة قالت : لما نزلت الآيات من آخر سورة " البقرة " في الربا خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المسجد فقرأهن على الناس، ثم حرم التجارة في الخمر . [ ص: 366 ] وأخرج الخطيب في " تاريخه " عن عائشة قالت : لما نزلت سورة " البقرة " نزل فيها تحريم الخمر، فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك .

وأخرج أبو داود ، والحاكم وصححه ، عن جابر قال : لما نزلت : الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من لم يذر المخابرة فليؤذن بحرب من الله ورسوله " .

وأخرج أحمد ، وابن ماجه ، وابن الضريس ، وابن جرير ، وابن المنذر ، عن عمر أنه قال : من آخر ما أنزل آية الربا، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قبض قبل أن يفسرها لنا ، فدعوا الربا والريبة .

وأخرج ابن جرير ، وابن مردويه ، عن عمر بن الخطاب أنه خطب فقال : إن من آخر القرآن نزولا آية الربا ، وإنه قد مات رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يبينه لنا ، فدعوا ما يريبكم إلى ما لا يريبكم . [ ص: 367 ] وأخرج البخاري وأبو عبيد ، وابن جرير ، والبيهقي في " الدلائل " من طريق الشعبي عن ابن عباس قال : آخر آية أنزلها الله على رسوله آية الربا .

وأخرج البيهقي في " الدلائل " من طريق سعيد بن المسيب قال : قال عمر بن الخطاب : آخر ما أنزل الله آية الربا .

وأخرج ابن جرير عن مجاهد في الربا الذي نهى الله عنه قال : كانوا في الجاهلية يكون للرجل على الرجل الدين فيقول : لك كذا وكذا وتؤخر عني، فيؤخر عنه .

وأخرج ابن جرير عن قتادة ، أن ربا أهل الجاهلية يبيع الرجل البيع إلى أجل مسمى، فإذا حل الأجل ولم يكن عند صاحبه قضاء زاده وأخر عنه .

وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله : الذين يأكلون الربا يعني : استحلالا لأكله، لا يقومون يعني : يوم القيامة ذلك يعني : الذي نزل بهم ؛ بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا . كان الرجل إذا حل ما له على صاحبه يقول المطلوب للطالب : زدني في الأجل وأزيدك على مالك . فإذا فعل ذلك قيل لهم : هذا ربا . قالوا : سواء علينا إن زدنا في أول البيع أو عند محل المال فهما سواء . فأكذبهم الله فقال : [ ص: 368 ] وأحل الله البيع وحرم الربا فمن جاءه موعظة من ربه يعني : البيان الذي في القرآن في تحريم الربا ، فانتهى عنه ، فله ما سلف يعني : فله ما كان أكل من الربا قبل التحريم ، وأمره إلى الله . يعني : بعد التحريم وبعد تركه ، إن شاء عصمه منه ، وإن شاء لم يفعل ، ومن عاد يعني : في الربا بعد التحريم فاستحله ؛ لقولهم : إنما البيع مثل الربا - فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون يعني : لا يموتون .

وأخرج أحمد ، والبزار ، عن رافع بن خديج قال : قيل : يا رسول الله، أي الكسب أطيب؟ قال : " عمل الرجل بيده، وكل بيع مبرور " .

وأخرج مسلم ، والبيهقي ، عن أبي سعيد قال : أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بتمر فقال : " ما هذا من تمرنا " . فقال الرجل : يا رسول الله، بعنا تمرنا صاعين بصاع من هذا . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ذلك الربا، ردوه ثم بيعوا تمرنا، ثم اشتروا لنا من هذا " .

وأخرج عبد الرزاق ، وابن أبي حاتم عن عائشة ، أن امرأة قالت لها : إني بعت زيد بن أرقم عبدا إلى العطاء بثمانمائة، فاحتاج إلى ثمنه، فاشتريته قبل محل الأجل بستمائة . فقالت : بئسما شريت وبئسما اشتريت، أبلغي زيدا أنه قد [ ص: 369 ] أبطل جهاده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إن لم يتب . قلت : أفرأيت إن تركت المائتين وأخذت الستمائة ؟ فقالت : نعم . فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف .

وأخرج أبو نعيم في " الحلية " ، عن جعفر بن محمد أنه سئل : لم حرم الله الربا؟ قال : لئلا يتمانع الناس المعروف .

التالي السابق


الخدمات العلمية