صفحة جزء
قوله تعالى : ولكل جعلنا موالي الآية .

أخرج البخاري، وأبو داود ، والنسائي ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والنحاس ، والحاكم ، والبيهقي في "سننه"، عن ابن عباس : ولكل جعلنا موالي قال : ورثة، (والذين عاقدت أيمانكم) قال : كان المهاجرون لما قدموا المدينة يرث المهاجر الأنصاري دون ذوي رحمه للأخوة التي آخى النبي صلى الله عليه وسلم بينهم، فلما نزلت : ولكل جعلنا موالي نسخت ثم قال : (والذين عاقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم) من النصر والرفادة والنصيحة، وقد ذهب الميراث ويوصي له .

وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والنحاس في "ناسخه"، وابن مردويه عن ابن عباس : ولكل جعلنا موالي قال : عصبة، (والذين عاقدت أيمانكم) قال : كان الرجل يعاقد الرجل؛ أيهما مات ورثه [ ص: 378 ] الآخر، فأنزل الله : وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله من المؤمنين والمهاجرين إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفا [الأحزاب : 6] يقول : إلا أن يوصوا لأوليائهم الذين عاقدوا وصية، فهو لهم جائز من ثلث مال الميت، وهو المعروف .

وأخرج ابن جرير ، عن ابن زيد في قوله : ولكل جعلنا موالي قال : الموالي : العصبة، هم كانوا في الجاهلية الموالي، فلما دخلت العجم على العرب لم يجدوا لهم اسما، فقال الله : فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم فسموا الموالي .

وأخرج ابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس في قوله : (والذين عاقدت أيمانكم) قال : كان الرجل قبل الإسلام يعاقد الرجل يقول : ترثني وأرثك، وكان الأحياء يتحالفون، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «كل حلف كان في الجاهلية أو عقد أدركه الإسلام فلا يزيده الإسلام إلا شدة، ولا عقد ولا حلف في الإسلام» نسختها هذه الآية : وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض [الأنفال : 75] .

وأخرج سعيد بن منصور ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، عن سعيد بن جبير قال : كان الرجل يعاقد الرجل فيرث كل واحد منهما صاحبه، [ ص: 379 ] وكان أبو بكر عاقد رجلا فورثه .

وأخرج أبو داود، وابن جرير ، وابن مردويه ، والبيهقي ، عن عكرمة، عن ابن عباس في قوله : (والذين عاقدت أيمانكم) قال : كان الرجل يحالف الرجل ليس بينهما نسب فيرث أحدهما الآخر، فنسخ ذلك في "الأنفال"، فقال : وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله .

وأخرج عبد بن حميد ، وعبد الرزاق ، وابن جرير ، عن قتادة في الآية قال : كان الرجل يعاقد الرجل في الجاهلية فيقول : دمي دمك، وهدمي هدمك، وترثني وأرثك، وتطلب بي وأطلب بك، فجعل له السدس من جميع المال في الإسلام، ثم يقسم أهل الميراث ميراثهم، فنسخ ذلك بعد في سورة "الأنفال" فقال : وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض فقذف ما كان من عهد يتوارث به، وصارت المواريث لذوي الأرحام .

وأخرج ابن جرير ، من طريق العوفي ، عن ابن عباس في الآية قال : كان الرجل في الجاهلية قد كان يلحق به الرجل فيكون تابعه، فإذا مات الرجل صار [ ص: 380 ] لأهله وأقاربه الميراث، وبقي تابعا ليس له شيء، فأنزل الله : (والذين عاقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم) فكان يعطى من ميراثه، فأنزل الله بعد ذلك : وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله .

وأخرج ابن جرير ، عن ابن زيد في قوله : (والذين عاقدت أيمانكم) الذين عقد رسول الله صلى الله عليه وسلم فآتوهم نصيبهم إذا لم يأت رحم يحول بينهم، قال : وهو لا يكون اليوم، إنما كان نفر آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهم، وانقطع ذلك، وهذا لا يكون لأحد إلا للنبي صلى الله عليه وسلم، كان آخى بين المهاجرين والأنصار، واليوم لا يؤاخى بين أحد .

وأخرج ابن جرير ، والنحاس ، عن سعيد بن المسيب قال : إنما أنزلت هذه الآية في الحلفاء والذين كانوا يتبنون رجالا غير أبنائهم ويورثونهم، فأنزل الله فيهم، فجعل لهم نصيبا في الوصية، ورد الميراث إلى الموالي في ذي الرحم والعصبة .

وأخرج الفريابي ، وسعيد بن منصور ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، والنحاس ، عن مجاهد : ولكل جعلنا موالي قال : العصبة، (والذين عاقدت أيمانكم) قال : الحلفاء، فآتوهم نصيبهم قال : من العقل والنصر والرفادة .

[ ص: 381 ] وأخرج أبو داود، وابن أبي حاتم ، عن داود بن الحصين قال : كنت أقرأ على أم سعد ابنة الربيع، وكانت يتيمة في حجر أبي بكر، فقرأت عليها : (والذين عاقدت أيمانكم) فقالت : لا ولكن : والذين عقدت أيمانكم إنما نزلت في أبي بكر وابنه عبد الرحمن حين أبى أن يسلم، فحلف أبو بكر أن لا يورثه، فلما أسلم أمره الله أن يورثه نصيبه .

وأخرج سعيد بن منصور عن مجاهد ، أنه كان يقرأ : (عاقدت أيمانكم) .

وأخرج عبد بن حميد عن عاصم، أنه قرأ : والذين عقدت خفيفة بغير ألف .

وأخرج عبد بن حميد ، وابن أبي حاتم ، عن أبي مالك قال : كان الرجل في الجاهلية يأتي القوم فيعقدون له أنه منهم، إن كان ضرا أو نفعا أو دما فإنه فيهم مثلهم، ويأخذون له من أنفسهم مثل الذي يأخذون منه، فكانوا إذا كان قتال قالوا : يا فلان، أنت منا فانصرنا، وإن كانت منفعة قالوا : أعطنا، أنت منا . ولم ينصروه كنصرة بعضهم بعضا إن استنصر، وإن نزل به أمر أعطاه بعضهم ومنعه بعضهم، ولم يعطوه مثل الذي يأخذون منه، فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فسألوه وتحرجوا من ذلك وقالوا : قد عاقدناهم في الجاهلية، فأنزل الله : (والذين عاقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم) . [ ص: 382 ] قال : أعطوهم مثل الذي تأخذون منهم .

وأخرج عبد بن حميد ، وابن أبي حاتم ، من وجه آخر، عن أبي مالك : (والذين عاقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم) قال : هو حليف القوم . يقول : أشهدوه أمركم ومشورتكم .

وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير عن ابن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم الفتح : «فوا بحلف الجاهلية؛ فإنه لا يزيده الإسلام إلا شدة، ولا تحدثوا حلفا في الإسلام» .

وأخرج أحمد، وعبد بن حميد ، ومسلم ، وابن جرير ، والنحاس ، عن جبير بن مطعم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «لا حلف في الإسلام، وأيما حلف كان في الجاهلية فلم يزده الإسلام إلا شدة» .

وأخرج عبد الرزاق ، وعبد بن حميد ، عن الزهري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لا حلف في الإسلام، وتمسكوا بحلف الجاهلية» .

[ ص: 383 ] وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس رفعه : «كل حلف كان في الجاهلية لم يزده الإسلام إلا جدة وشدة» .

التالي السابق


الخدمات العلمية