صفحة جزء
قوله تعالى : وإذ قال موسى لقومه الآية .

أخرج ابن أبي الدنيا في كتاب " من عاش بعد الموت " عن ابن عباس قال : كانت مدينتان في بني إسرائيل، إحداهما حصينة ولها أبواب، والأخرى خربة، فكان أهل المدينة الحصينة إذا أمسوا أغلقوا أبوابها، فإذا أصبحوا قاموا على سور المدينة، فنظروا هل حدث فيما حولها حادث فأصبحوا يوما فإذا شيخ قتيل مطروح بأصل مدينتهم، فأقبل أهل المدينة الخربة، فقالوا : قتلتم صاحبنا، وابن أخ له شاب يبكي عنده ويقول : قتلتم عمي، وقالوا : والله ما فتحنا مدينتنا منذ أغلقناها وما ندينا من دم صاحبكم هذا بشيء . فأتوا موسى فأوحى الله إلى موسى : إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة إلى قوله فذبحوها وما كادوا يفعلون ، قال : وكان في بني إسرائيل غلام شاب يبيع في حانوت له، وكان له أب شيخ كبير، فأقبل رجل من بلد آخر يطلب سلعة له عنده، فأعطاه بها [ ص: 403 ] ثمنا فانطلق معه ليفتح حانوته فيعطيه الذي طلب، والمفتاح مع أبيه، فإذا أبوه نائم في ظل الحانوت، فقال : أيقظه، قال ابنه : إنه نائم وأنا أكره أن أروعه من نومه، فانصرفا فأعطاه ضعف ما أعطاه على أن يوقظه، فأبى فذهب طالب السلعة، فاستيقظ الشيخ فقال له ابنه : يا أبت والله يا أبه لقد جاء ههنا رجل يطلب سلعة كذا، فأعطى بها من الثمن كذا وكذا، فكرهت أن أروعك من نومك . فلامه الشيخ، فعوضه الله من بره بوالده أن نتجت من بقره تلك البقرة التي يطلبها بنو إسرائيل فأتوه فقالوا له : بعناها فقال : لا . قالوا : إذن نأخذها منك، فأتوا موسى فقال : اذهبوا فأرضوه من سلعته، قالوا : حكمك؟ قال : حكمي أن تضعوا البقرة في كفة الميزان، وتضعوا ذهبا صامتا في الكفة الأخرى، فإذا مال الذهب أخذته، ففعلوا وأقبلوا بالبقرة حتى انتهوا بها إلى قبر الشيخ، واجتمع أهل المدينتين فذبحوها فضرب ببضعة من لحمها القبر فقام الشيخ ينفض رأسه يقول : قتلني ابن أخي؛ طال عليه عمري، [ ص: 404 ] وأراد أخذ مالي ومات .

وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والبيهقي في " سننه " عن عبيدة السلماني قال : كان رجل من بني إسرائيل عقيما لا يولد له وكان له مال كثير، وكان ابن أخيه وارثه، فقتله ثم احتمله ليلا فوضعه على باب رجل منهم، ثم أصبح يدعيه عليهم، حتى تسلحوا وركب بعضهم إلى بعض، فقال ذوو الرأي منهم : علام يقتل بعضكم بعضا وهذا رسول الله فيكم؟! فأتوا موسى فذكروا ذلك له، فقال : إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة قالوا أتتخذنا هزوا قال أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين قال : فلو لم يعترضوا لأجزأت عنهم أدنى بقرة، ولكنهم شددوا فشدد عليهم حتى انتهوا إلى البقرة التي أمروا بذبحها فوجدوها عند رجل ليس له بقرة غيرها، فقال : والله لا أنقصها من ملء جلدها ذهبا . فذبحوها فضربوه ببعضها، فقام فقالوا : من قتلك؟ فقال : هذا . لابن أخيه، ثم مال ميتا فلم يعط من ماله شيئا ولم يورث قاتل بعد .

وأخرج عبد الرزاق عن عبيدة قال : أول ما قضي أنه لا يرث القاتل في [ ص: 405 ] صاحب بني إسرائيل .

وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن سيرين قال : أول ما منع القاتل الميراث لمكان صاحب البقرة .

وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال : إن شيخا من بني إسرائيل على عهد موسى كان مكثرا من المال، وكان بنو أخيه فقراء لا مال لهم، وكان الشيخ لا ولد له، وبنو أخيه ورثته، فقالوا : ليت عمنا قد مات فورثنا ماله . وإنه لما تطاول عليهم ألا يموت أتاهم الشيطان فقال : هل لكم إلى أن تقتلوا عمكم فترثوا ماله، وتغرموا أهل المدينة التي لستم بها ديته . وذلك أنهما كانتا مدينتين، كانوا في إحداهما، وكان القتيل إذا قتل فطرح بين المدينتين قيس ما بين القتيل والقريتين، فأيهما كانت أقرب إليه غرمت الدية، وإنهم لما سول لهم الشيطان ذلك عمدوا إليه فقتلوه، ثم طرحوه على باب المدينة التي ليسوا بها، فلما أصبح أهل المدينة جاء بنو أخي الشيخ فقالوا : عمنا قتل على باب مدينتكم، فوالله [ ص: 406 ] لتغرمن لنا ديته، قال أهل المدينة نقسم بالله ما قتلناه ولا علمنا قاتلا ولا فتحنا باب مدينتنا منذ أغلق حتى أصبحنا . فعمدوا إلى موسى فجاء جبريل فقال : قل لهم : إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة فتضربوه ببعضها .

وأخرج سفيان بن عيينة عن عكرمة قال : كان لبني إسرائيل مسجد له اثنا عشر بابا، لكل سبط منهم باب يدخلون منه ويخرجون، فوجد قتيل على باب سبط من الأسباط قتل على باب سبط وجر إلى باب سبط آخر فاختصم فيه أهل السبطين، فقال هؤلاء : أنتم قتلتم هذا، وقال الآخرون : بل أنتم قتلتموه ثم جررتموه إلينا، فاختصموا إلى موسى فقال : إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة الآية، قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي قال : إنه يقول إنها بقرة لا فارض ولا بكر عوان بين ذلك قال : فذهبوا يطلبونها، فكأنها تعذرت عليهم، فرجعوا إلى موسى فقالوا : قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما لونها قال إنه يقول إنها بقرة صفراء فاقع لونها تسر الناظرين قال : فذهبوا يطلبونها، فكأنها تعذرت عليهم، فقالوا : ادع لنا ربك يبين لنا ما هي إن البقر تشابه علينا وإنا إن شاء الله لمهتدون ولولا أنهم قالوا : إن شاء الله ما وجدوها قال إنه يقول إنها بقرة لا ذلول الآية . وإنما كانت البقرة يومئذ بثلاثة دنانير، ولو [ ص: 407 ] أنهم أخذوا أدنى بقرهم فذبحوها كفتهم، ولكنهم شددوا فشدد الله عليهم، فذهبوا يطلبونها، فيجدون هذه الصفة عند رجل، فقالوا : تبيعنا هذه البقرة؟ قال : أبيعها، قالوا : بكم تبيعها؟ قال : بمائة دينار، فقالوا : إنها بقرة بثلاثة دنانير . فأبوا أن يأخذوها، فرجعوا إلى موسى فقالوا : وجدناها عند رجل فقال : لا أنقصكم من مائة دينار . وإنما هي بقرة بثلاثة دنانير . قال : هو أعلم هو صاحبها إن شاء باع وإن شاء لم يبع . فرجعوا إلى الرجل فقالوا : قد أخذناها بمائة دينار، فقال : لا أنقصها عن مائتي دينار، فقالوا سبحان الله، أليس قد بعتنا بمائة دينار ورضيت؟ فقد أخذناها، قال : ليس أنقصها من مائتي دينار، فتركوها ورجعوا إلى موسى، فقالوا له : أعطاناها بمائة دينار، فلما رجعنا إليه قال : لا أنقصها من مائتي دينار، قال : هو أعلم، إن شاء باعها وإن شاء لم يبعها . فعادوا إليه فقالوا : قد أخذناها بمائتي دينار، فقال : لا أنقصها من أربعمائة دينار، قالوا : قد كنت أعطيتناها بمائتي دينار فقد أخذناها فقال : ليس أنقصها من أربعمائة دينار . فتركوها وعادوا إلى موسى، فقالوا : قد أعطيناه [ ص: 408 ] مائتي دينار فأبى أن يأخذها وقال : لا أنقصها من أربعمائة دينار، فقال : هو أعلم هو صاحبها إن شاء باع وإن شاء لم يبع . فرجعوا إليه فقالوا : قد أخذناها بأربعمائة دينار فقال : لا أنقصها من ثمانمائة دينار، فلم يزالوا يعودون إلى موسى ويعودون إليه، فكلما عادوا إليه أضعف عليه الثمن، حتى قال : ليس أبيعها إلا بملء مسكها، فأخذوها فذبحوها فقال : اضربوه ببعضها . فضربوه بفخذها، فعاش فقال : قتلني فلان، فإذا هو رجل كان له عم وكان لعمه مال كثير . وكان له ابنة فقال : أقتل عمي هذا فأرث ماله، وأتزوج ابنته، فقتل عمه فلم يرث شيئا، ولم يرث قاتل منذ ذلك شيئا . قال موسى : إن لهذه البقرة لشأنا، ادعوا إلي صاحبها، فدعوه فقال : أخبرني عن هذه البقرة وعن شأنها، قال : نعم، كنت رجلا أبيع في السوق وأشتري، فسامني رجل ببضاعة عندي فبعته إياها، وكنت قد أشرفت منها على فضل كبير، فذهبت لآتيه بما قد بعته، فوجدت المفتاح تحت رأس والدتي فكرهت أن أوقظها من نومها ورجعت إلى الرجل فقلت : ليس بيني وبينك بيع .

[ ص: 409 ] فذهب ثم رجعت فنتجت لي هذه البقرة فألقى الله عليها مني محبة، فلم يكن عندي شيء أحب إلي منها، فقيل له إنما أصبت هذا ببر والدتك .

التالي السابق


الخدمات العلمية