صفحة جزء
قوله تعالى : ادعوا ربكم تضرعا وخفية الآية .

أخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وأبو الشيخ ، عن ابن عباس : ادعوا ربكم تضرعا وخفية قال : السر ، إنه لا يحب المعتدين في الدعاء ، ولا في غيره .

وأخرج أبو الشيخ ، عن قتادة قال : التضرع : علانية ، والخفية : سر .

[ ص: 426 ] وأخرج ابن أبي حاتم ، عن سعيد بن جبير في قوله : ادعوا ربكم تضرعا يعني : مستكينا وخفية ، يعني : في خفض وسكون في حاجاتكم من أمر الدنيا والآخرة ، إنه لا يحب المعتدين يقول : لا تدعوا على المؤمن والمؤمنة بالشر ؛ اللهم اخزه ، والعنه ، ونحو ذلك ؛ فإن ذلك عدوان .

وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عن أبي مجلز في قوله : إنه لا يحب المعتدين قال : لا تسألوا منازل الأنبياء .

وأخرج ابن أبي حاتم ، عن زيد بن أسلم قال : كان يرى أن الجهر بالدعاء الاعتداء .

وأخرج عبد بن حميد ، وأبو الشيخ ، عن قتادة : إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض إلى قوله : تبارك الله رب العالمين قال : لما أنبأكم الله بقدرته وعظمته وجلاله بين لكم كيف تدعونه على تفئة ذلك ، فقال : ادعوا ربكم تضرعا وخفية إنه لا يحب المعتدين ، قال : تعلموا أن في بعض الدعاء اعتداء ، فاجتنبوا العدوان ، والاعتداء إن اسطعتم ، ولا قوة إلا بالله ، قال : وذكر لنا أن مجالد بن مسعود أخا بني سليم سمع قوما يعجون في دعائهم ، فمشى إليهم فقال : أيها القوم لقد أصبتم فضلا على من كان قبلكم ، أو لقد هلكتم ، فجعلوا يتسللون رجلا رجلا حتى تركوا بقعتهم التي كانوا فيها .

[ ص: 427 ] قال : وذكر لنا أن ابن عمر أتى على قوم يرفعون أيديهم فقال : ما يتناول هؤلاء القوم ؟ فوالله لو كانوا على أطول جبل في الأرض ما ازدادوا من الله قربا ، قال قتادة : وإن الله إنما يتقرب إليه بطاعته ، فما كان من دعائكم الله فليكن في سكينة ووقار ، وحسن سمت وزي وهدي وحسن دعة .

وأخرج ابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، وأبو داود ، وابن ماجه ، وابن حبان ، والحاكم ، والبيهقي ، عن عبد الله بن مغفل ، أنه سمع ابنه يقول : اللهم إني أسألك القصر الأبيض عن يمين الجنة إذا دخلتها ، فقال : أي بني ، سل الله الجنة ، وتعوذ به من النار ؛ فإني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : "سيكون في هذه الأمة قوم يعتدون في الدعاء والطهور" .

وأخرج الطيالسي ، وابن أبي شيبة ، وأحمد ، وأبو داود ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، وابن مردويه ، عن سعد بن أبي وقاص ، أنه سمع ابنا [ ص: 428 ] له يدعو ويقول : اللهم إني أسألك الجنة ، ونعيمها وإستبرقها ونحو هذا ، وأعوذ بك من النار وسلاسلها وأغلالها ، فقال : لقد سألت الله خيرا وتعوذت به من شر كل كثير ، وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : "إنه سيكون قوم يعتدون في الدعاء " ، وقرأ هذه الآية : ادعوا ربكم تضرعا وخفية إنه لا يحب المعتدين ، وإن بحسبك أن تقول : اللهم إني أسألك الجنة ، وما قرب إليها من قول أو عمل وأعوذ بك من النار ، وما قرب إليها من قول أو عمل .

وأخرج أبو الشيخ ، عن الربيع في الآية قال : إياك أن تسأل ربك أمرا قد نهيت عنه ، أو ما لا ينبغي لك .

وأخرج ابن المبارك ، وابن جرير ، وأبو الشيخ ، عن الحسن قال : لقد كان المسلمون يجتهدون في الدعاء ، وما سمع لهم صوت ، إن كان إلا همسا بينهم وبين ربهم ، وذلك أن الله يقول : ادعوا ربكم تضرعا وخفية [ ص: 429 ] وذلك أن الله ذكر عبدا صالحا فرضي له قوله فقال : إذ نادى ربه نداء خفيا [مريم : 3] .

وأخرج ابن جرير ، وأبو الشيخ ، عن ابن جريج في الآية قال : إن من الدعاء اعتداء ؛ يكره رفع الصوت ، والنداء ، والصياح بالدعاء ، ويؤمر بالتضرع والاستكانة .

التالي السابق


الخدمات العلمية