صفحة جزء
قوله تعالى : قال رب أرني أنظر إليك الآية .

وأخرج ابن جرير ، وأبو الشيخ ، عن ابن عباس في قوله : قال رب أرني يقول : أعطني أنظر إليك .

وأخرج عبد بن حميد ، وابن المنذر ، عن قتادة قال : قال رب أرني أنظر إليك قال : لما سمع الكلام طمع في الرؤية .

وأخرج أبو الشيخ ، عن ابن عباس قال : حين قال موسى لربه تبارك وتعالى : رب أرني أنظر إليك قال الله له : يا موسى إنك لن تراني . قال : يقول : ليس تراني ، قال : لا يكون ذلك أبدا يا موسى ، إنه لا يراني أحد فيحيا ، فقال موسى : رب ، أن أراك ثم أموت ، أحب إلي من ألا أراك ثم أحيا ، فقال الله لموسى : يا موسى انظر إلى الجبل العظيم الطويل الشديد فإن استقر مكانه يقول : فإن ثبت مكانه لم يتضعضع ، ولم ينهد لبعض ما يرى من عظمي ، فسوف تراني أنت لضعفك وذلتك ، وإن الجبل تضعضع وانهد [ ص: 556 ] بقوته وشدته وعظمه ، فأنت أضعف وأذل .

وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول ، وأبو نعيم في الحلية ، عن ابن عباس قال : تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية : رب أرني أنظر إليك قال : " قال الله عز وجل : يا موسى إنه لا يراني حي إلا مات ، ولا يابس إلا تدهده ، ولا رطب إلا تفرق ، وإنما يراني أهل الجنة الذين لا تموت أعينهم ولا تبلى أجسادهم .

وأخرج عبد بن حميد ، عن مجاهد قال : قال لن تراني ولكن انظر إلى الجبل فإنه أكبر منك وأشد خلقا ، قال فلما تجلى ربه للجبل فنظر إلى الجبل لا يتمالك ، وأقبل الجبل يندك على أوله ، فلما رأى موسى ما يصنع الجبل خر موسى صعقا .

وأخرج ابن مردويه ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لما أوحى الله إلى موسى بن عمران : إني مكلمك على جبل طور سيناء . صار من مقام موسى إلى جبل طور سيناء أربع فراسخ في أربع فراسخ ؛ رعد وبرق وصواعق ، فكانت ليلة قر ، فجاء موسى حتى وقف بين يدي صخرة جبل طور سيناء ، فإذا هو بشجرة خضراء ، الماء يقطر منها ، وتكاد النار تلفح من جوفها ، فوقف موسى متعجبا فنودي من جوف الشجرة : يا ميشا ، فوقف موسى مستمعا للصوت ، فقال موسى : من هذا الصوت العبراني يكلمني ؟ فقال الله له : يا موسى إني [ ص: 557 ] لست بعبراني ، إني أنا الله رب العالمين ، فكلم الله موسى في ذلك المقام بسبعين لغة ، ليس منها لغة إلا وهي [172ظ] مخالفة للغة الأخرى ، وكتب له التوراة في ذلك المقام ، فقال موسى : إلهي أرني أنظر إليك ، قال : يا موسى إنه لا يراني أحد إلا مات ، فقال موسى : إلهي أرني أنظر إليك وأموت . فأجاب موسى جبل طور سيناء : يا موسى بن عمران ، لقد سألت أمرا عظيما ، لقد ارتعدت السماوات السبع ومن فيهن ، والأرضون السبع ومن فيهن ، وزالت الجبال واضطربت البحار ؛ لعظم ما سألت يا ابن عمران ، فقال موسى وأعاد الكلام : رب أرني أنظر إليك ، فقال : يا موسى انظر إلى الجبل ، فإن استقر مكانه فإنك تراني . فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا وخر موسى صعقا مقدار جمعة ، فلما أفاق موسى مسح التراب عن وجهه وهو يقول : سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين فكان موسى بعد مقامه لا يراه أحد إلا مات ، واتخذ موسى على وجهه البرقع ، فجعل يكلم الناس بقفاه ، فبينا موسى ذات يوم في الصحراء ، فإذا هو بثلاثة نفر يحفرون قبرا ، حتى انتهوا إلى الضريح ، فجاء موسى حتى أشرف عليهم فقال لهم : لمن تحفرون هذا القبر ؟ قالوا له : لرجل كأنه أنت أو مثلك أو في طولك ، أو نحوك ، فلو نزلت فقدرنا عليك هذا الضريح ، فنزل موسى فتمدد في الضريح ، فأمر الله الأرض فانطبقت به .

وأخرج أحمد ، وعبد بن حميد والترمذي وصححه ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وابن عدي في الكامل ، وأبو الشيخ ، والحاكم [ ص: 558 ] وصححه ، وابن مردويه ، والبيهقي في كتاب الرؤية من طرق ، عن أنس بن مالك ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ هذه الآية : فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا قال : هكذا ، وأشار بإصبعيه ، ووضع طرف إبهامه على أنملة الخنصر - وفي لفظ : على المفصل الأعلى من الخنصر - فساخ الجبل وخر موسى صعقا وفي لفظ : فساخ الجبل في الأرض ، فهو يهوي فيها إلى يوم القيامة .

وأخرج أبو الشيخ ، وابن مردويه من طريق ثابت ، عن أنس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله : فلما تجلى ربه للجبل قال : أظهر مقدار هذا . ووضع الإبهام على خنصر الإصبع الصغرى . فقال حميد : يا أبا محمد ، ما تريد إلى هذا ؟ فضرب في صدره وقال : من أنت يا حميد ، وما أنت يا حميد ؟ ! يحدثني أنس بن مالك ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتقول أنت : ما تريد إلى هذا .

وأخرج أبو الشيخ ، عن ابن عباس قال : الجبل الذي أمر الله أن ينظر إليه : الطور .

وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، والبيهقي في الرؤية [ ص: 559 ] عن ابن عباس : فلما تجلى ربه للجبل قال : ما تجلى منه إلا قدر الخنصر جعله دكا قال : ترابا . وخر موسى صعقا قال : مغشيا عليه .

وأخرج أبو الشيخ ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لما تجلى الله لموسى كان يبصر دبيب النملة على الصفا في الليلة الظلماء من مسيرة عشرة فراسخ .

وأخرج ابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، وابن مردويه ، وأبو نعيم في الحلية ، والديلمي ، عن أنس بن مالك ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لما تجلى الله للجبل طارت لعظمته ستة أجبل ، فوقعت ثلاثة بالمدينة ؛ أحد وورقان ورضوى ، وبمكة حراء وثبير وثور .

وأخرج الطبراني في الأوسط ، عن ابن عباس ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لما تجلى الله لموسى تطايرت سبعة جبال ، ففي الحجاز منها خمسة ، وفي اليمن اثنان ؛ في الحجاز أحد وثبير وحراء وثور وورقان ، وفي اليمن حضور وصبير . [ ص: 560 ] وأخرج ابن مردويه ، عن علي بن أبي طالب في قوله : فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا قال : أسمع موسى ، قال له : إني أنا الله . قال : وذاك عشية عرفة ، وكان الجبل بالموقف ، فانقطع على سبع قطع ، قطعة سقطت بين يديه ، وهو الذي يقوم الإمام عنده في الموقف يوم عرفة ، وبالمدينة ثلاثة ؛ طيبة وأحد ورضوى ، وطور سيناء بالشام ، وإنما سمي الطور لأنه طار في الهواء إلى الشام .

وأخرج ابن مردويه ، عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله : فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا قال أخرج خنصره .

وأخرج ابن مردويه ، عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ : ( فلما تجلى ربه للجبل جعله دكاء ) مثقلة ممدودة .

وأخرج ابن مردويه ، والحاكم وصححه ، عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ : " دكا " منونة ولم يمده .

وأخرج أبو نعيم في الحلية ، عن معاوية بن قرة ، عن أبيه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فلما تجلى ربه للجبل طارت لعظمته ستة أجبل فوقعن بالمدينة ؛ أحد وورقان ورضوى ، ووقع بمكة ثور وثبير وحراء . [ ص: 561 ] وأخرج ابن جرير ، وابن مردويه ، والحاكم وصححه ، عن ابن عباس ، أن موسى لما كلمه ربه أحب أن ينظر إليه ، فسأله فقال : لن تراني ولكن انظر إلى الجبل قال : فحف حول الجبل الملائكة ، وحف حول الملائكة بنار ، وحف حول النار بملائكة ، وحف حولهم بنار ، ثم تجلى ربك للجبل ، تجلى منه مثل الخنصر ، فجعل الجبل دكا ، وخر موسى صعقا ، فلم يزل صعقا ما شاء الله ، ثم إنه أفاق فقال : سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين يعني : أول المؤمنين من بني إسرائيل .

وأخرج ابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن مجاهد في قوله : فلما تجلى ربه للجبل قال : كشف بعض الحجب .

وأخرج ابن المنذر ، عن عكرمة ، أنه كان يقرأ هذا الحرف : ( فلما تجلى ربه للجبل جعله دكاء ) قال : كان حجرا أصم ، فلما تجلى له صار تلا ترابا ، دكاء من الدكاءات .

وأخرج ابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن سفيان في قوله : فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا قال : ساخ الجبل في الأرض حتى وقع في البحر ، فهو يذهب بعد . [ ص: 562 ] وأخرج أبو الشيخ ، عن أبي معشر قال : مكث موسى أربعين ليلة لا ينظر إليه أحد إلا مات ، من نور رب العالمين ، ومصداق ذلك في كتاب الله : فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا .

وأخرج أبو الشيخ ، عن ابن عباس في قوله : جعله دكا قال : ترابا .

وأخرج ابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن عروة بن رويم قال : كانت الجبال قبل أن يتجلى الله لموسى على الطور صما ملسا ليس فيها كهوف ولا شقوق ، فلما تجلى الله لموسى على الطور ، صار الطور دكا ، وتفطرت الجبال ، فصارت فيها هذه الكهوف والشقوق .

وأخرج ابن أبي حاتم ، عن الأعمش في قوله : دكا قال : الأرض المستوية .

وأخرج عبد الرزاق ، وعبد بن حميد وأبو الشيخ ، عن قتادة : جعله دكا قال : دك بعضه بعضا .

وأخرج ابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن ابن عباس : وخر موسى صعقا قال : غشي عليه إلا أن روحه في جسده ، فلما أفاق قال لعظم ما رأى : سبحانك تنزيها لله من أن يراه أحد ، تبت إليك رجعت [ ص: 563 ] عن الأمر الذي كنت عليه ، وأنا أول المؤمنين يقول : أول المصدقين الآن أنه لا يراك أحد .

وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، عن ابن عباس : وأنا أول المؤمنين يقول : أنا أول من يؤمن أنه لا يراك شيء من خلقك .

وأخرج عبد بن حميد ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن قتادة في قوله : وخر موسى صعقا أي ميتا فلما أفاق قال : فلما رد الله عليه روحه ونفسه قال سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين أنه لن تراك نفس فتحيا ، وإليها يفزع كل عالم .

وأخرج عبد بن حميد ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن مجاهد في قوله : تبت إليك قال : من سؤالي إياك الرؤية ، وأنا أول المؤمنين قال : أول قومي إيمانا .

وأخرج عبد بن حميد ، وأبو الشيخ ، عن أبي العالية في قوله : وأنا أول المؤمنين قال : قد كان قبله مؤمنون ، ولكن يقول : أنا أول من آمن [ ص: 564 ] بأنه لا يراك أحد من خلقك إلى يوم القيامة .

وأخرج أحمد ، والبخاري ، ومسلم ، وأبو داود ، وابن مردويه ، عن أبي سعيد ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لا تخيروني من بين الأنبياء ؛ فإن الناس يصعقون يوم القيامة ، فأكون أول من يفيق ، فإذا موسى آخذ بقائمة من قوائم العرش ، فلا أدري أفاق قبلي أم جوزي بصعقة الطور .

التالي السابق


الخدمات العلمية