صفحة جزء
ومن ثمرات النخيل والأعناب تتخذون منه سكرا ورزقا حسنا إن في ذلك لآية لقوم يعقلون

فإن قلت: بم تعلق قوله: ومن ثمرات النخيل والأعناب ؟

قلت: بمحذوف تقديره: ونسقيكم من ثمرات النخيل والأعناب، أي: من عصيرها، وحذف لدلالة نسقيكم قبله عليه، وقوله: تتخذون منه سكرا : بيان وكشف عن كنه الإسقاء، أو يتعلق بتتخذون، و "منه" من تكرير الظرف للتوكيد، كقولك: زيد في الدار فيها، ويجوز أن يكون: "تتخذون": صفة موصوف محذوف، كقوله [من الرجز]:

[ ص: 449 ]

................................. ... بكفي كان من أرمى البشر



تقديره: ومن ثمرات النخيل والأعناب ثمر تتخذون منه سكرا ورزقا حسنا; لأنهم يأكلون بعضها ويتخذون من بعضها السكر.

فإن قلت: فإلام يرجع الضمير في منه إذا جعلته ظرفا مكررا ؟

قلت: إلى المضاف المحذوف الذي هو العصير كما رجع في قوله تعالى: أو هم قائلون إلى الأهل المحذوف، والسكر: الخمر، سميت بالمصدر من سكر سكرا وسكرا، نحو رشد رشدا ورشدا، قال [من الوافر]:


وجاؤونا بهم سكر علينا ...     فأجلى اليوم والسكران صاحي



وفيه وجهان: أحدهما: أن تكون منسوخة، وممن قال بنسخها: الشعبي والنخعي ، والثاني: أن يجمع بين العتاب والمنة، وقيل: السكر: النبيذ، وهو عصير العنب والزبيب والتمر إذا طبخ حتى يذهب ثلثاه، ثم يترك حتى يشتد، وهو حلال عند أبي حنيفة إلى حد السكر ويحتج بهذه الاية وبقوله -صلى الله عليه وسلم-: "الخمر حرام لعينها والسكر من كل شراب"، وبأخبار جمة، ولقد صنف شيخنا أبو علي الجبائي -قدس الله روحه- غير كتاب في [ ص: 450 ] تحليل النبيذ، فلما شيخ وأخذت منه السن العالية قيل له: لو شربت منه ما تتقوى به، فأبى، فقيل له: فقد صنفت في تحليله، فقال: تناولته الدعارة فسمج في المروءة، وقيل: السكر: الطعم; وأنشد [من الرجز]:


جعلت أعراض الكرام سكرا



أي: تنقلت بأعراضهم، وقيل: هو من الخمر، وإنه إذا ابترك في أعراض الناس، فكأنه تخمر بها، والرزق الحسن: الخل والرب والتمر والزبيب وغير ذلك، ويجوز أن يجعل السكر رزقا حسنا، كأنه قيل: تتخذون منه ما هو سكر ورزق حسن.

التالي السابق


الخدمات العلمية