صفحة جزء
ثم بعثناهم لنعلم أي: الحزبين أحصى لما لبثوا أمدا

"أي": يتضمن معنى الاستفهام، فعلق عنه "لنعلم": فلم يعمل فيه، وقرئ "ليعلم"، وهو معلق عنه -أيضا - لأن ارتفاعه بالابتداء لا بإسناد "يعلم" إليه، وفاعل "يعلم": مضمون الجملة، كما أنه مفعول "نعلم"، أي الحزبين : المختلفين منهم في مدة لبثهم; لأنهم لما انتبهوا اختلفوا في ذلك، وذلك قوله: قال قائل منهم كم لبثتم قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم قالوا ربكم أعلم بما لبثتم [الكهف: 14]، وكان الذين قالوا: ربكم أعلم بما لبثتم: هم الذين علموا أن لبثهم قد تطاول أو أي الحزبين المختلفين من غيرهم، و "أحصى": فعل ماض، أي: أيهم ضبط، "أمدا": لأوقات لبثهم.

فإن قلت: فما تقول فيمن جعله من أفعل التفضيل ؟

قلت: ليس بالوجه السديد، وذلك أن بناءه من غير الثلاثي المجرد ليس بقياس، ونحو: "أعدى من الجرب"، و "أفلس من ابن المذلق": شاذ، والقياس على الشاذ في غير القرآن ممتنع، فكيف به ؟ ولأن "أمدا" لا يخلو: إما أن ينتصب بأفعل، فأفعل لا يعمل، [ ص: 568 ] وإما أن ينصب بلبثوا، فلا يسد عليه المعنى، فإن زعمت أني أنصبه بإضمار فعل يدل عليه أحصى، كما أضمر في قوله [من الطويل]:


.......................... ... وأضرب منا بالسيوف القوانسا



على: نضرب القوانس، فقد أبعدت المتناول وهو قريب، حيث أبيت أن يكون أحصى فعلا، ثم رجعت مضطرا إلى تقديره وإضماره. [ ص: 569 ] فإن قلت: كيف جعل الله تعالى العلم بإحصائهم المدة غرضا في الضرب على آذانهم ؟

قلت: الله عز وجل لم يزل عالما بذلك، وإنما أراد ما تعلق به العلم من ظهور الأمر لهم، ليزدادوا إيمانا واعتبارا، ويكون لطفا لمؤمني زمانهم، وآية بينة لكفاره.

التالي السابق


الخدمات العلمية