قال سلام عليك سأستغفر لك ربي إنه كان بي حفيا وأعتزلكم وما تدعون من دون الله وأدعو ربي عسى ألا أكون بدعاء ربي شقيا قال سلام عليك  : سلام توديع ومتاركة ؛ كقوله تعالى : 
لنا أعمالنا ولكم أعمالكم سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين  [القصص : 55 ] ، وقوله : 
وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما  [الفرقان : 63 ] ؛ وهذا دليل على جواز متاركة المنصوح والحال هذه ، ويجوز أن يكون قد دعا له بالسلامة استمالة له ؛ ألا ترى أنه وعده الاستغفار . 
فإن قلت : كيف جاز له أن يستغفر للكافر وأن يعده ذلك ؟  
[ ص: 26 ] قلت : قالوا : أراد اشتراط التوبة عن الكفر ، كما ترد الأوامر والنواهي الشرعية على الكفار والمراد اشتراط الإيمان ، وكما يؤمر المحدث والفقير بالصلاة والزكاة ، ويراد اشتراط الوضوء والنصاب ، وقالوا : إنما استغفر له بقوله : 
واغفر لأبي إنه كان من الضالين  [الشعراء : 86 ] ؛ لأنه وعده أن يؤمن ؛ واستشهدوا عليه بقوله تعالى : 
وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه  [التوبة : 114 ] ، ولقائل أن يقول : إن الذي منع من الاستغفار للكافر إنما هو السمع ، فأما القضية العقلية فلا تأباه ، فيجوز أن يكون الوعد بالاستغفار والوفاء به قبل ورود السمع ، بناء على قضية العقل ؛ والذي يدل على صحته قوله تعالى : 
إلا قول إبراهيم لأبيه لأستغفرن لك  [الممتحنة : 4 ] ، فلو كان شارطا للإيمان لم يكن مستنكرا ومستثنى عما وجبت فيه الأسوة ، وأما : 
عن موعدة وعدها إياه فالواعد 
إبراهيم  لا 
آزر  ، أي : ما قال : 
واغفر لأبي إلا عن قوله : 
لأستغفرن لك وتشهد له قراءة 
 nindex.php?page=showalam&ids=15740حماد الراوية   : وعدها أباه ، والله أعلم ، 
 "حفيا" الحفي : البليغ في البر والإلطاف ، حفي به وتحفى به ، 
وأعتزلكم  : أراد بالاعتزال المهاجرة إلى 
الشام  ، المراد بالدعاء : العبادة ؛ لأنه منها ومن وسائطها ، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم 
nindex.php?page=hadith&LINKID=673187 "الدعاء هو العبادة " ؛ ويدل عليه قوله تعالى : 
فلما اعتزلهم وما يعبدون من دون الله  [مريم : 49 ] ، ويجوز أن يراد الدعاء الذي حكاه الله في سورة الشعراء ، عرض بشقاوتهم بدعاء آلهتهم في قوله : 
عسى ألا أكون بدعاء ربي شقيا  [مريم : 49 ] ، مع التواضع لله بكلمة 
 "عسى" ، وما فيه من هضم النفس .