صفحة جزء
[ ص: 120 ] ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه ورزق ربك خير وأبقى

ولا تمدن عينيك أي : نظر عينيك ، ومد النظر : تطويله ، وألا يكاد يرده ؛ استحسانا للمنظور إليه وإعجابا به ، وتمنيا أن يكون له ، كما فعل نظارة قارون حين قالوا : يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون إنه لذو حظ عظيم [القصص : 79 ] ، حتى واجههم أولو العلم والإيمان بـ ويلكم ثواب الله خير لمن آمن وعمل صالحا [القصص : 80 ] ، وفيه أن النظر غير الممدود معفو عنه ؛ وذلك مثل نظر من باده الشيء بالنظر ثم غض الطرف ، ولما كان النظر إلى الزخارف كالمركوز في الطباع ، وأن من أبصر منها شيئا أحب أن يمد إليه نظره ويملأ منه عينيه قيل : ولا تمدن عينيك أي : لا تفعل ما أنت معتاد له وضار به ، ولقد شدد العلماء من أهل التقوى في وجوب غض البصر عن أبنية الظلمة وعدد الفسقة في اللباس والمراكب وغير ذلك ؛ لأنهم إنما اتخذوا هذه الأشياء لعيون النظارة ، فالناظر إليها محصل لغرضهم ، وكالمغري لهم على اتخاذها ، أزواجا منهم : أصنافا من الكفرة ، ويجوز أن ينتصب حالا من هاء الضمير ، والفعل واقع على : " منهم" كأنه قال : إلى الذي متعنا به وهو أصناف بعضهم وناسا منهم .

فإن قلت : علام انتصب "زهرة" ؟

قلت : على أحد أربعة أوجه : على الذم ، وهو النصب على الاختصاص ، وعلى [ ص: 121 ] تضمين : "متعنا" معنى : أعطينا وخولنا ، وكونه مفعولا ثانيا له ، وعلى إبداله من محل الجار والمجرور ، وعلى إبداله من أزواجا ، على تقدير ذوي زهرة .

فإن قلت : ما معنى الزهرة فيمن حرك .

قلت : معنى الزهرة بعينه وهو الزينة والبهجة ، كما جاء في الجهرة الجهرة . وقرئ : "أرنا الله جهرة " ، وأن تكون جمع زاهر ، وصفا لهم بأنهم زاهرو هذه الدنيا ، لصفاء ألوانهم مما يلهون ويتنعمون ، وتهلل وجوههم ، وبهاء زيهم وشارتهم ، بخلاف ما عليه المؤمنون والصلحاء : من شحوب الألوان والتقشف في الثياب ، الدنيا لنفتنهم : لنبلوهم حتى يستوجبوا العذاب ؛ لوجود الكفران منهم ، أو لنعذبهم في الآخرة بسببه ، ورزق ربك : هو ما ادخر له من ثواب الآخرة الذي هو خير منه في نفسه وأدوم ، وأو ما رزقه من نعمة الإسلام والنبوة ، أو لأن أموالهم الغالب عليها الغصب والسرقة والحرمة من بعض الوجوه ، والحلال خير وأبقى ؛ لأن الله لا ينسب إلى نفسه إلا ما حل وطاب دون ما حرم وخبث ، والحرام لا يسمى رزقا أصلا ، وعن يزيد بن عبد الله بن قسيط عن أبي رافع قال : بعثني رسول الله -صلى الله عليه وسلم - إلى يهودي ، وقال : "قل له : يقول لك رسول الله أقرضني إلى رجب" فقال : والله ، لا أقرضته إلا برهن ، فقال رسول الله : "إني لأمين في السماء ، وإني لأمين في الأرض ، احمل إليه درعي الحديد " ؛ فنزلت : ولا تمدن عينيك .

التالي السابق


الخدمات العلمية