فأنشأنا لكم به جنات من نخيل وأعناب لكم فيها فواكه كثيرة ومنها تأكلون وشجرة تخرج من طور سيناء تنبت بالدهن وصبغ للآكلين 
خص هذه الأنواع الثلاثة ؛ لأنها أكرم الشجر وأفضلها وأجمعها للمنافع ، ووصف النخل والعنب بأن ثمرهما جامع بين أمرين : بأنه فاكهة يتفكه بها ، وطعام يؤكل رطبا ويابسا ، رطبا وعنبا ، وتمرا وزبيبا ، والزيتون بأن دهنه صالح للاستصباح والاصطباغ جميعا ، ويجوز أن يكون قوله : 
ومنها تأكلون من قولهم : يأكل فلان من حرفة يحترفها ، ومن ضيعة يغتلها ، ومن تجارة يتربح بها : يعنون أنها طعمته وجهته التي منها يحصل رزقه ، كأنه قال : وهذه الجنات وجوه أرزاقكم ومعايشكم ، منها ترتزقون وتتعيشون ، 
 "وشجرة "  : عطف على 
جنات ، وقرئت مرفوعة على الابتداء ، أي : ومما أنشئ لكم شجرة ، 
طور سيناء  : وطور سنين ، لا يخلو : إما أن يضاف فيه 
الطور  إلى بقعة اسمها 
سيناء  وسينون  ، وإما : أن يكون اسما للجبل مركبا من مضاف ومضاف إليه ، 
كامرئ القيس  ، 
وكبعلبك  ، فيمن أضاف ، فمن كسر سين 
سيناء  ، فقد منع الصرف ؛ للتعريف والعجمة ، أو التأنيث ؛ لأنها بقعة ، وفعلاء لا يكون ألفه للتأنيث كعلباء وحرباء ، ومن فتح فلم يصرف ؛ لأن الألف للتأنيث كصحراء ، وقيل : هو جبل 
فلسطين   . وقيل : بين 
مصر  وأيلة  ، ومنه نودي 
موسى   -عليه السلام- وقرأ 
 nindex.php?page=showalam&ids=13726الأعمش   : سينا على القصر ، 
 "بالدهن "  :  
[ ص: 224 ] في موضع الحال ، أي : تنبت وفيها الدهن ، وقرئ : "تنبت " . وفيه وجهان . 
أحدهما : أن أنبت بمعنى نبت ؛ وأنشد 
لزهير   [من الطويل ] : 
رأيت ذوي الحاجات حول بيوتهم قطينا لهم حتى إذا أنبت البقل 
والثاني : أن مفعوله محذوف ، أي : تنبت زيتونها وفيه الزيت ، وقرئ : "تنبت " : بضم التاء وفتح الباء ، وحكمه حكم تنبت ، وقرأ 
 nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود   : تخرج الدهن وصبع الآكلين ، وغيره : تخرج بالدهن : وفي حرف 
 nindex.php?page=showalam&ids=34أبي   : "تثمر الدهن " ، وعن بعضهم : "تنبت بالدهان " ، وقرأ 
 nindex.php?page=showalam&ids=13726الأعمش   : "وصبغا " ، وقرئ : و "صباغ " ، ونحوهما : دبغ ودباغ ، والصبغ : الغمس للائتدام ، وقيل : هي أول شجرة نبتت بعد الطوفان ، ووصفها الله تعالى- بالبركة في قوله : 
يوقد من شجرة مباركة  [النور : 35 ] .