صفحة جزء
وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله والله واسع عليم

"الأيامى" واليتامى : أصلهما أيائم ويتائم ، فقلبا ، والأيم : للرجل والمرأة ، وقد آم وآمت وتأيما : إذا لم يتزوجا بكرين كانا أو ثيبين ؛ قال [من الطويل ] :

فإن

تنكحي أنكح وإن تتأيمي وإن كنت أفتى منكم أتأيم



وعن رسول الله -صلى الله عليه وسلم - : "اللهم إنا نعوذ بك من العيمة والغيمة والأيمة والكزم والقرم " ، والمراد : أنكحوا من تأيم منكم من الأحرار والحرائر ، ومن كان فيه [ ص: 295 ] صلاح من غلمانكم وجواريكم ، وقرئ : "من عبيدكم " ، وهذا الأمر للندب لما علم من أن النكاح أمر مندوب إليه ، وقد يكون للوجوب في حق الأولياء عند طلب المرأة ذلك ، وعند أصحاب الظواهر : النكاح واجب ، ومما يدل على كونه مندوبا إليه قوله -صلى الله عليه وسلم - : "من أحب فطرتي فليستن بسنتي وهي النكاح " ، وعنه -عليه الصلاة والسلام - : "من كان له ما يتزوج به فلم يتزوج ، فليس منا " ، وعنه -عليه الصلاة والسلام - : [ ص: 296 ] "إذا تزوج أحدكم عج شيطانه : يا ويله ، عصم ابن آدم مني ثلثي دينه" وعنه -عليه الصلاة والسلام - : "يا عياض ، لا تزوجن عجوزا ولا عاقرا ؛ فإني مكاثر " ، والأحاديث فيه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- والآثار كثيرة ، وربما كان واجب الترك [ ص: 297 ] إذا أدى إلى معصية أو مفسدة ، وعن النبي -صلى الله عليه وسلم - :"إذا أتى على أمتي مائة وثمانون سنة ، [ ص: 298 ] فقد حلت لهم العزوبة والعزلة والترهب على رؤوس الجبال " ، وفي الحديث : "يأتي على الناس زمان لا تنال فيه المعيشة إلا بالمعصية ، فإذا كان ذلك الزمان حلت العزوبة " .

فإن قلت : لم خص الصالحين ؟

قلت : ليحصن دينهم ، ويحفظ عليهم صلاحهم ، ولأن الصالحين من الأرقاء الذين مواليهم يشفقون عليهم وينزلونهم منزلة الأولاد في الأثرة والمودة ، فكانوا مظنة للتوصية بشأنهم والاهتمام بهم وتقبل الوصية فيهم ، وأما المفسدون منهم فحالهم عند مواليهم على عكس ذلك ، أو أريد بالصلاح : القيام بحقوق النكاح ، ينبغي أن تكون شريطة الله غير منسية في هذا الموعد ونظائره وهي مشيئته ، ولا يشاء الحكيم إلا ما اقتضته الحكمة وما [ ص: 299 ] كان مصلحة ؛ ونحوه : ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب [الطلاق : 2-3 ] ، [ ص: 300 ] وقد جاءت الشريطة منصوصة في قوله تعالى : وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله إن شاء إن الله عليم حكيم [التوبة : 28 ] ، ومن لم ينس هذه الشريطة ، لم ينتصب معترضا بعزب كان غنيا فأفقره النكاح ، وبفاسق تاب واتقى الله وكان له شيء ففني وأصبح مسكينا ، وعن النبي -صلى الله عليه وسلم - : "التمسوا الرزق بالنكاح " .

وشكا إليه رجل الحاجة فقال : "عليك بالباءة" وعن عمر -رضي الله عنه - : عجبت لمن لا يطلب الغنى بالباءة ، ولقد كان عندنا رجل رازح الحال ، [ ص: 301 ] ثم رأيته بعد سنين وقد انتعشت حاله وحسنت ، فسألته ؟ فقال : كنت في أول أمري على ما علمت ؛ وذلك قبل أن أرزق ولدا ، فلما رزقت بكر ولدي تراخيت عن الفقر ، فلما ولد لي الثاني زدت خيرا ، فلما تتاموا ثلاثة صب الله علي الخير صبا ، فأصبحت إلى ما ترى ، والله واسع أي : غني ذو سعة لا يرزؤه إغناء الخلائق ، ولكنه : "عليم " : يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر .

التالي السابق


الخدمات العلمية