صفحة جزء
[ ص: 423 ] هل أنبئكم على من تنزل الشياطين تنزل على كل أفاك أثيم يلقون السمع وأكثرهم كاذبون

كل أفاك أثيم هم الكهنة والمتنبئة ، كشق ، وسطيح ، ومسيلمة ، وطليحة يلقون السمع هم الشياطين ، كانوا قبل أن يحجبوا بالرجم يسمعون إلى الملإ الأعلى فيختطفون بعض ما يتكلمون به مما أطلعوا عليه من الغيوب ، ثم يوحون به إلى أوليائهم من أولئك وأكثرهم كاذبون فيما يوحون به إليهم ؛ لأنهم يسمعونهم ما لم يسمعوا . وقيل : يلقون إلى أوليائهم السمع أي المسموع من الملائكة . وقيل : الأفاكون يلقون السمع إلى الشياطين فيتلقون وحيهم إليهم . أو يلقون المسموع من الشياطين إلى الناس ، وأكثر الأفاكين كاذبون يفترون على الشياطين ما لم يوحوا إليهم ، وترى أكثر ما يحكمون به باطلا وزورا . وفي الحديث : "الكلمة يتخطفها الجني فيقرها في أذن وليه فيزيد فيها أكثر من مائة كذبة " . والقر : الصب . فإن قلت : كيف دخل حرف الجر على " من" المتضمنة لمعنى الاستفهام والاستفهام له صدر الكلام ؟ ألا ترى إلى قولك : أعلى زيد مررت ؟ ولا تقول : على أزيد مررت ؟ قلت : ليس معنى التضمن أن الاسم دل على معنيين معا : معنى الاسم ، ومعنى الحرف . وإنما معناه : أن الأصل أمن ، فحذف حرف الاستفهام واستمر الاستعمال على حذفه ، كما حذف من "هل" والأصل : أهل ؛ قال [من البسيط ] :


أهل رأونا بسفح القاع ذي الأكم ؟



[ ص: 424 ] فإذا أدخلت حرف الجر على " من" فقدر الهمزة قبل حرف الجر في ضميرك ، كأنك تقول : أعلى من تنزل الشياطين ، كقولك : أعلى زيد مررت . فإن قلت : "يلقون" ما محله ؟ قلت : يجوز أن يكون في محل النصب على الحال ، أي : تنزل ملقين السمع ، وفي محل الجر صفة لـ كل أفاك ؛ لأنه في معنى الجمع . وأن لا يكون له محل بأن يستأنف ، كأن قائلا قال : لم تنزل على الأفاكين ؟ فقيل : يفعلون كيت وكيت . فإن قلت : كيف ؟ قيل وأكثرهم كاذبون بعد ما قضى عليهم أن كل واحد منهم أفاك ؟ قلت : الأفاكون هم الذين يكثرون الإفك ، ولا يدل ذلك على أنهم لا ينطقون إلا بالإفك ، فأراد أن هؤلاء الأفاكين قل من يصدق منهم فيما يحكي عن الجني ؛ وأكثرهم مفتر عليه . فإن قلت : وإنه لتنزيل رب العالمين ، وما تنزلت به الشياطين ، هل أنبئكم على من تنزل الشياطين لم فرق بينهن وهن أخوات ؟ قلت : أريد التفريق بينهن بآيات ليست في معناهن ، ليرجع إلى المجيء بهن وتطرية ذكر ما فيهن كرة بعد كرة : فيدل بذلك على أن المعنى الذي نزلن فيه من المعاني التي اشتدت كراهة الله لخلافها . ومثاله : أن يحدث الرجل بحديث وفي صدره اهتمام بشيء منه وفضل عناية ، فتراه يعيد ذكره ولا ينفك عن الرجوع إليه .

التالي السابق


الخدمات العلمية