صفحة جزء
[ ص: 468 ] بل ادارك علمهم في الآخرة بل هم في شك منها بل هم منها عمون

وقرئ : "بل أدرك " . "بل ادراك " . "بل ادارك " . "بل تدارك " . "بل أأدرك " ، بهمزتين . "بل آأدرك " ، بألف بينهما . "بل أدرك " ، بالتخفيف والنقل . "بل ادرك " ، بفتح اللام وتشديد الدال . وأصله : بل أدرك ؟ على الاستفهام . "بلى أدرك " . "بلى أأدرك " ، "أم تدارك " . "أم أدرك " ؛ فهذه ثنتا عشرة قراءة . وادارك : أصله تدارك ، فأدغمت التاء في الدال . وادرك : افتعل . ومعنى أدرك علمهم : انتهى وتكامل . وادرك : تتابع واستحكم . وهو على وجهين ، أحدهما : أن أسباب استحكام العلم وتكامله بأن القيامة كائنة لا ريب فيه ، قد حصلت لهم ومكنوا من معرفته ، وهم شاكون جاهلون ، وهو قوله : بل هم في شك منها بل هم منها عمون : يريد المشركين ممن في السماوات والأرض ؛ لأنهم لما كانوا في جملتهم نسب فعلهم إلى الجميع ، كما يقال : بنو فلان فعلوا كذا وإنما فعله ناس منهم . فإن قلت : إن الآية سيقت لاختصاص الله بعلم الغيب ، وأن العباد لا علم لهم بشيء منه وأن وقت بعثهم ونشورهم من جملة الغيب وهم لا يشعرون به ، فكيف لاءم هذا المعنى وصف المشركين بإنكارهم البعث مع استحكام أسباب العلم والتمكن من المعرفة ؟ قلت : لما ذكر أن العباد لا يعلمون الغيب ، ولا يشعرون بالبعث الكائن ووقته الذي يكون فيه ، وكان هذا بيانا لعجزهم ووصفا لقصور علمهم : وصل به أن عندهم عجزا أبلغ منه ، وهو أنهم يقولون للكائن الذي لا بد أن يكون -وهو وقت جزاء أعمالهم - : لا يكون ، مع أن عندهم أسباب معرفة كونه واستحكام العلم به . والوجه الثاني : أن وصفهم باستحكام العلم وتكامله تهكم بهم ، كما تقول لأجهل الناس : ما أعلمك! على سبيل الهزؤ ، وذلك حيث شكوا وعموا عن إثباته الذي الطريق إلى علمه مسلوك ، فضلا أن يعرفوا وقت كونه الذي لا طريق إلى معرفته : وفي : أدرك علمهم ، وادارك علمهم : وجه آخر ، وهو أن يكون أدرك بمعنى انتهى وفني ، من قولك : أدركت الثمرة ؛ لأن تلك غايتها التي عندها تعدم : وقد فسره الحسن -رضي الله عنه- باضمحل علمهم وتدارك ، من تدارك بنو فلان : إذا تتابعوا في الهلاك فإن قلت : فما وجه قراءة من قرأ : بل أأدرك على الاستفهام ؟ قلت : هو استفهام على وجه الإنكار لإدراك علمهم ، وكذلك من قرأ : أم أدرك . وأم تدارك ؛ لأنها أم التي بمعنى بل والهمزة . فإن قلت : فمن قرأ : بلى أدرك ، وبلى أأدرك ؟ قلت : لما جاء ببلى ، بعد قوله : وما يشعرون كان معناه : بلى يشعرون ، ثم فسر الشعور بقوله : أدرك علمهم في الآخرة على سبيل التهكم الذي معناه المبالغة في نفي العلم ، فكأنه قال : شعورهم بوقت الآخرة أنهم لا يعلمون كونها ، فيرجع إلى نفي الشعور على أبلغ ما يكون . وأما من قرأ : بلى أأدرك ؟ على الاستفهام فمعناه : بل يشعرون متى يبعثون ، ثم أنكر علمهم بكونها ، وإذا أنكر علمهم [ ص: 469 ] بكونها لم يتحصل لهم شعور بوقت كونها ؛ لأن العلم بوقت الكائن تابع للعلم بكون الكائن في الآخرة في شأن الآخرة ومعناها فإن قلت ؛ هذه الإضرابات الثلاث ما معناها ؟ قلت : ما هي إلا تنزيل لأحوالهم : وصفهم أولا بأنهم لا يشعرون وقت البعث ، ثم بأنهم لا يعلمون أن القيامة كائنة ، ثم بأنهم يخبطون في شك ومرية فلا يزيلونه والإزالة مستطاعة . ألا ترى أن من لم يسمع اختلاف المذاهب وتضليل أربابها بعضهم لبعض : كان أمره أهون ممن سمع بها وهو جاثم لا يشخص به طلب التمييز بين الحق والباطل ، ثم بما هو أسوأ حالا وهو العمى ، وأن يكون مثل البهيمة قد عكف همه على بطنه وفرجه ، لا يخطر بباله حقا ولا باطلا . ولا يفكر في عاقبة . وقد جعل الآخرة مبدأ عماهم ومنشأه فلذلك عداه بمن دون عن ؛ لأن الكفر بالعاقبة والجزاء هو الذي جعلهم كالبهائم لا يتدبرون ولا يتبصرون .

التالي السابق


الخدمات العلمية