1. الرئيسية
  2. تفسير الكشاف
  3. تفسير سورة النمل
  4. تفسير قوله تعالى وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب صنع الله الذي أتقن كل شىء
صفحة جزء
وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب صنع الله الذي أتقن كل شيء إنه خبير بما تفعلون من جاء بالحسنة فله خير منها وهم من فزع يومئذ آمنون ومن جاء بالسيئة فكبت وجوههم في النار هل تجزون إلا ما كنتم تعملون

"جامدة" من جمد في مكانه إذا لم يبرح . تجمع الجبال فتسير كما تسير الريح السحاب ، فإذا نظر إليها الناظر حسبها واقفة ثابتة في مكان واحد وهي تمر مرا حثيثا كما يمر السحاب . وهكذا الأجرام العظام المتكاثرة العدد : إذا تحركت لا تكاد تتبين حركتها ، كما قال النابغة في صفة جيش [من الطويل ] :


بأرعن مثل الطود تحسب أنهم . . . وقوف لحاج والركاب تهملج



صنع الله من المصادر المؤكدة ، كقوله : " وعد الله " . صبغة الله إلا أن مؤكده محذوف ، وهو الناصب ليوم ينفخ ، والمعنى : ويوم ينفخ في الصور وكان كيت وكيت [ ص: 477 ] أثاب الله المحسنين وعاقب المجرمين ، ثم قال : صنع الله يريد به : الإثابة والمعاقبة . وجعل هذا الصنع من جملة الأشياء التي أتقنها وأتى بها على الحكمة والصواب ، حيث قال : صنع الله الذي أتقن كل شيء يعني أن مقابلته الحسنة بالثواب والسيئة بالعقاب : من جملة إحكامه للأشياء وإتقانه لها ، وإجزائه لها على قضايا الحكمة أنه عالم بما يفعل العباد وبما يستوجبون عليه ، فيكافئهم على حسب ذلك . ثم لخص ذلك بقوله : من جاء بالحسنة إلى آخر الآيتين ، فانظر إلى بلاغة هذا الكلام ، وحسن نظمه وترتيبه ، ومكانة إضماده ، ورصانة تفسيره ، وأخذ بعضه بحجزة بعض ، كأنما أفرغ إفراغا واحدا ولأمر ما أعجز القوي وأخرى الشقاشق . ونحو هذا المصدر إذا جاء عقيب كلام ، جاء كالشاهد بصحته والمنادي على سداده ، وأنه ما كان ينبغي أن يكون إلا كما قد كان . ألا ترى إلى قوله : صنع الله ، و صبغة الله ، و " وعد الله " ، فطرت الله : بعد ما وسمها بإضافتها إليه بسمة التعظيم ، كيف تلاها بقوله : الذي أتقن كل شيء ، ومن أحسن من الله صبغة ، لا يخلف الله الميعاد لا تبديل لخلق الله وقرئ : "تفعلون " ، على الخطاب . فله خير منها يريد الإضعاف وأن العمل يتقضى والثواب يدوم ، وشتان ما بين فعل العبد وفعل السيد . وقيل : فله خير منها ، أي : له خير حاصل من جهتها وهو الجنة . وعن ابن عباس ؛ الحسنة كلمة الشهادة . وقرئ : "يومئذ" مفتوحا مع الإضافة ؛ لأنه أضيف إلى غير متمكن . ومنصوبا مع تنوين فزع . فإن قلت : ما الفرق بين الفزعين ؟ قلت : الفزع الأول : هو ما لا يخلو منه أحد عند الإحساس بشدة تقع وهول يفجأ ، من رعب وهيبة ، وإن كان المحسن يأمن لحاق الضرر به ؛ كما يدخل الرجل على الملك بصدر هياب وقلب وجاب وإن كان ساعة إعزاز وتكرمة وإحسان وتولية . وأما الثاني : فالخوف من العذاب . فإن قلت : فمن قرأ "من فزع" بالتنوين ما معناه ؟ قلت : يحتمل معنيين . من فزع واحد وهو خوف العقاب ، وأما ما يلحق الإنسان من التهيب والرعب لما يرى من الأهوال والعظائم ، فلا يخلون منه ؛ لأن البشرية تقتضي ذلك . وفي الأخبار والآثار ما يدل عليه . ومن فزع شديد مفرط الشدة لا يكتنهه الوصف : وهو خوف النار . أمن : يعدى بالجار وبنفسه ، كقوله تعالى : أفأمنوا مكر الله . وقيل : السيئة : الإشراك . يعبر عن الجملة بالوجه والرأس والرقبة ، فكأنه قيل : فكبوا في النار ، كقوله تعالى : فكبكبوا فيها ويجوز أن يكون ذكر الوجوه [ ص: 478 ] إيذانا بأنهم يكبون على وجوههم فيها منكوسين هل تجزون يجوز فيه الالتفات وحكاية ما يقال لهم عند الكب بإضمار القول .

التالي السابق


الخدمات العلمية