صفحة جزء
إن قارون كان من قوم موسى فبغى عليهم وآتيناه من الكنوز ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة إذ قال له قومه لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك ولا تبغ الفساد في الأرض إن الله لا يحب المفسدين

"قارون" اسم أعجمي مثل هارون ، ولم ينصرف للعجمة والتعريف ، ولو كان فاعولا من قرن لانصرف . وقيل : معنى كونه من قومه أنه آمن به . وقيل : كان إسرائيليا ابن عم موسى : هو قارون بن يصهر بن قاهث بن لاوى بن يعقوب . وموسى بن عمران بن قاهث . وقيل : كان موسى ابن أخيه ، وكان يسمى المنور لحسن صورته ، وكان أقرأ بني إسرائيل للتوراة ، ولكنه نافق كما نافق السامري وقال : إذا كانت النبوة لموسى عليه السلام ، والمذبح والقربان إلى هارون فما لي ؟ وروي : أنه لما جاوز بهم موسى البحر وصارت الرسالة والحبورة لهارون يقرب القربان ويكون رأسا فيهم -وكان القربان إلى موسى فجعله موسى إلى أخيه- وجد قارون في نفسه وحسدهما ، فقال لموسى : الأمر لكما ولست على شيء ، إلى متى أصبر ؟ قال موسى : هذا صنع الله قال : والله لا أصدق حتى تأتي بآية ، فأمر رؤساء بني إسرائيل أن يجيء كل واحد بعصاه ، فحزمها وألقاها في القبة التي كان الوحي ينزل عليه فيها ، وكانوا يحرسون عصيهم بالليل ، فأصبحوا وإذا بعصا هارون تهتز ولها ورق أخضر ، وكانت من شجر اللوز ، فقال قارون : ما هو بأعجب مما تصنع من السحر فبغى عليهم من البغي وهو الظلم . قيل : ملكه فرعون على بني إسرائيل فظلمهم . وقيل : من البغي وهو الكبر والبذخ : تبذخ عليهم بكثرة ماله وولده . وقيل : زاد عليهم في [ ص: 523 ] الثياب شبرا . المفاتح : جمع مفتح بالكسر : وهو ما يفتح به . وقيل هي الخزائن ، وقياس واحدها : مفتح بالفتح . ويقال : ناء به الحمل ، إذا أثقله حتى أماله . والعصبة : الجماعة الكثيرة والعصابة : مثلها . واعصوصبوا : اجتمعوا . وقيل : كانت تحمل مفاتيح خزائنه ستون بغلا ، لكل خزانة مفتاح ، ولا يزيد المفتاح على أصبع . وكانت من جلود . قال أبو رزين : يكفي الكوفة مفتاح ، وقد بولغ في ذكر ذلك بلفظ : الكنوز ، والمفاتح ، والنوء ، والعصبة ، وأولي القوة . وقرأ بديل بن ميسرة : لينوء بالياء . ووجهه أن يفسر المفاتح بالخزائن ، ويعطيها حكم ما أضيفت إليه للملابسة والاتصال ، كقولك ذهبت أهل اليمامة . ومحل إذ منصوب بتنوء لا تفرح كقوله : ولا تفرحوا بما آتاكم [الحديد : 23 ] وقول القائل [من الطويل ] :


ولست بمفراح إذا الدهر سرني



وذلك أنه لا يفرح بالدنيا إلا من رضي بها واطمأن . وأما من قلبه إلى الآخرة ويعلم أنه مفارق ما فيه عن قريب ، لم تحدثه نفسه بالفرح . وما أحسن ما قال القائل [من الوافر ] :


أشد الغم عندي في سرور . . .     تيقن عنه صاحبه انتقالا



التالي السابق


الخدمات العلمية