وما أنزلنا على قومه من بعده من جند من السماء وما كنا منزلين إن كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم خامدون 
المعنى : أن الله كفى أمرهم بصيحة ملك ، ولم ينزل لإهلاكهم جندا من جنود السماء ، كما فعل يوم بدر والخندق ، فإن قلت : وما معنى قوله : 
وما كنا منزلين ؟ قلت : معناه : وما كان يصح في حكمتنا أن ننزل في إهلاك قوم حبيب جندا من السماء ; وذلك لأن الله تعالى أجرى هلاك كل قوم على بعض الوجوه دون البعض ، وما ذلك إلا بناء على ما اقتضته الحكمة وأوجبته المصلحة ، ألا ترى إلى قوله تعالى : 
فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا ومنهم من أخذته الصيحة ومنهم من خسفنا به الأرض ومنهم من أغرقنا  [العنكبوت : 40 ] . فإن قلت : فلم أنزل الجنود من السماء يوم بدر والخندق ؟ قال تعالى : 
فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها  [الأحزاب : 9 ] ، 
بألف من الملائكة مردفين  [الأنفال : 9 ] ، 
بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين  [آل عمران : 124 ] ، 
بخمسة آلاف من الملائكة مسومين  [آل عمران : 125 ] ؟ قلت : إنما كان يكفى ملك واحد ، فقد أهلكت مدائن  
[ ص: 174 ] قوم 
لوط  بريشة من جناح 
جبريل  ، وبلاد 
ثمود  وقوم 
صالح  بصيحة منه ، ولكن الله فضل 
محمدا  صلى الله عليه وسلم بكل شيء على كبار الأنبياء وأولي العزم من الرسل ، فضلا عن 
حبيب النجار  ، وأولاده من أسباب الكرامة والإعزاز ما لم يوله أحدا ; فمن ذلك أنه أنزل له جنودا من السماء وكأنه أشار بقوله : ( وما أنزلنا ) ( وما كنا منزلين ) إلى أن إنزال الجنود من عظائم الأمور التي لا يؤهل لها إلا مثلك ، وما كنا نفعله بغيرك 
إن كانت إلا صيحة واحدة إن كانت الآخذة أو العقوبة إلا صيحة واحدة . وقرأ 
 nindex.php?page=showalam&ids=11962أبو جعفر  المدني بالرفع على كان التامة ، أي : ما وقعت إلا صيحة ، والقياس والاستعمال على تذكير الفعل ; لأن المعنى : ما وقع شيء إلا صيحة ، ولكنه نظر إلى ظاهر اللفظ وأن الصيحة في حكم فاعل الفعل ، ومثلها قراءة 
 nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن   : (فأصبحوا لا ترى إلا مساكنهم ) وبيت 
 nindex.php?page=showalam&ids=15871ذي الرمة   [من الطويل ] : 
وما بقيت إلا الضلوع الجراشع 
وقرأ 
 nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود   : (إلا زقية واحدة ) من زقا الطائر يزقو ويزقي ، إذا صاح . ومنه المثل : أثقل من الزواقي . "خامدون " خمدوا كما تخمد النار ، فتعود رمادا ، كما قال 
لبيد   [من الطويل ] : 
وما المرء إلا كالشهاب وضوئه     يحور رمادا بعد إذ هو ساطع