1. الرئيسية
  2. تفسير الكشاف
  3. سورة آل عمران
  4. تفسير قوله تعالى فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض
صفحة جزء
فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض فالذين هاجروا وأخرجوا من ديارهم وأوذوا في سبيلي وقاتلوا وقتلوا لأكفرن عنهم سيئاتهم ولأدخلنهم جنات تجري من تحتها الأنهار ثوابا من عند الله والله عنده حسن الثواب

يقال: استجاب له واستجابه [من الطويل]:


فلم يستجبه عند ذاك مجيب



أني لا أضيع : قرئ بالفتح على حذف الياء، وبالكسر على إرادة القول، وقرئ: (لا أضيع) بالتشديد من ذكر أو أنثى : بيان لـ(عامل) بعضكم من بعض أي: يجمع ذكوركم وإناثكم أصل واحد، فكل واحد منكم من الآخر، أي: من أصله، أو كأنه منه لفرط اتصالكم واتحادكم، وقيل: المراد وصلة الإسلام، وهذه جملة معترضة بينت بها شركة النساء مع الرجال فيما وعد الله عباده العاملين.

وروي أن أم سلمة قالت: يا رسول الله، إني أسمع الله تعالى يذكر الرجال في الهجرة ولا يذكر النساء، فنزلت: [ ص: 680 ] فالذين هاجروا تفصيل لعمل العامل منهم على سبيل التعظيم له والتفخيم، كأنه قال: فالذين عملوا هذه الأعمال السنية الفائقة، وهي المهاجرة عن أوطانهم فارين إلى الله بدينهم من دار الفتنة، واضطروا إلى الخروج من ديارهم التي ولدوا فيها ونشئوا بما سامهم المشركون من الخسف وأوذوا في سبيلي من أجله وبسببه، يريد سبيل الدين وقاتلوا وقتلوا وغزوا المشركين واستشهدوا، وقرئ: (وقتلوا) بالتشديد، (وقتلوا وقاتلوا) -على التقديم- بالتخفيف والتشديد، (وقتلوا، وقتلوا) على بناء الأول للفاعل والثاني للمفعول، (وقتلوا) (وقاتلوا) على بنائهما للفاعل "ثوابا" في موضع المصدر المؤكد بمعنى إثابة أو تثويبا من عند الله لأن قوله: ( لأكفرن عنهم ..... ولأدخلنهم ) في معنى لأثيبنهم، "وعنده" مثل: أن يختص به وبقدرته وفضله، لا يثيبه غيره ولا يقدر عليه، كما يقول الرجل: عندي ما تريد، يريد اختصاصه به وبملكه وإن لم يكن بحضرته، وهذا تعليم من الله كيف يدعى وكيف يبتهل إليه ويتضرع.

وتكرير "ربنا" من باب الابتهال، وإعلام بما يوجب حسن الإجابة وحسن الإثابة، من احتمال المشاق في دين الله، والصبر على صعوبة تكاليفه، وقطع لأطماع الكسالى المتمنين عليه، وتسجيل على من لا يرى الثواب موصولا إليه بالعمل بالجهل والغباوة.

وروي عن جعفر الصادق -رضي الله عنه-: من حزبه أمر فقال خمس مرات: "ربنا" أنجاه الله مما يخاف وأعطاه ما أراد، وقرأ هذه الآية.

وعن الحسن: حكى الله عنهم أنهم قالوا خمس مرات: "ربنا" ثم أخبر أنه استجاب لهم، إلا أنه أتبع ذلك رافع الدعاء وما يستجاب به، فلا بد من تقديمه بين يدي الدعاء.

التالي السابق


الخدمات العلمية