صفحة جزء
إن الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا عينا يشرب بها عباد الله يفجرونها تفجيرا يوفون بالنذر ويخافون يوما كان شره مستطيرا ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا إنا نخاف من ربنا يوما عبوسا قمطريرا .

الأبرار جمع بر أو بار، كرب وأرباب، وشاهد وأشهاد. وعن الحسن : هم الذين لا يؤذون الذر. والكأس: الزجاجة إذا كانت فيها خمر، وتسمى الخمر نفسها: كأسا.

مزاجها ما تمزج به كافورا ماء كافور، وهو اسم عين في الجنة ماؤها في بياض الكافور ورائحته وبرده. و عينا بدل منه. وعن قتادة : تمزج لهم بالكافور وتختم لهم بالمسك. وقيل: تخلق فها رائحة الكافور وبياضه وبرده، فكأنها مزجت بالكافور. و عينا على هذين القولين: بدل من محل من كأس على تقدير حذف مضاف، كأنه قيل: يشربون فيها خمرا خمر عين. أو نصب على الاختصاص. فإن قلت: لم وصل فعل الشرب بحرف الابتداء أولا، وبحرف الإلصاق آخرا؟ قلت: لأن الكأس [ ص: 277 ] مبدأ شربهم وأول غايته; وأما العين فبها يمزجون شرابهم فكان المعنى: يشرب عباد الله بها الخمر، كما تقول: شربت الماء بالعسل يفجرونها يجرونها حيث شاءوا من منازلهم تفجيرا سهلا لا يمتنع عليهم يوفون جواب من عسى يقول: ما لهم يرزقون ذلك، والوفاء بالنذر مبالغة في وصفهم بالتوفر على أداء الواجبات; لأن من وفى بما أوجبه هو على نفسه لوجه الله كان بما أوجبه الله عليه أوفى. مستطيرا فاشيا منتشرا بالغا أقصى المبالغ، من استطار الحريق، واستطار الفجر. وهو من طار، بمنزلة استنفر من نفرعلى حبه الضمير للطعام، أي: مع اشتهائه والحاجة إليه. ونحوه وآتى المال على حبه [البقرة: 177]. لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون [آل عمران: 92]. وعن الفضيل بن عياض : على حب الله وأسيرا عن الحسن : كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يؤتى بالأسير فيدفعه إلى بعض المسلمين فيقول: أحسن إليه; فيكون عنده اليومين والثلاثة، فيؤثره على نفسه. وعند عامة العلماء: يجوز الإحسان إلى الكفار في دار الإسلام ولا تصرف إليهم الواجبات. وعن قتادة : كان أسيرهم يومئذ المشرك، وأخوك المسلم أحق أن تطعمه. وعن سعيد بن جبير وعطاء : هو الأسير من أهل القبلة، وعن أبي سعيد الخدري : هو المملوك والمسجون. وسمى رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم الغريم: أسيرا، فقال " غريمك أسيرك فأحسن إلى أسيرك " إنما نطعمكم على إرادة القول. ويجوز أن يكون قولا باللسان منعا لهم عن المجازاة بمثله أو بالشكر; لأن إحسانهم مفعول لوجه الله; فلا معنى لمكافأة الخلق. وأن يكون قولهم لهم لطفا وتفقها وتنبيها، على ما ينبغي أن يكون عليه من أخلص لله. وعن عائشة رضي الله عنها أنها كانت تبعث بالصدقة إلى أهل بيت، ثم تسأل الرسول ما قالوا؟ فإذا ذكر دعاء دعت لهم بمثله ليبقى ثواب الصدقة لها خالصا عند الله. ويجوز أن يكون ذلك بيانا وكشفا عن اعتقادهم وصحة نيتهم وإن لم يقولوا شيئا. وعن مجاهد : أما إنهم ما تكلموا به، ولكن علمه الله منهم فأثنى عليهم. والشكور والكفور: مصدران كالشكر والكفر.

إنا نخاف يحتمل: إن إحساننا إليكم للخوف من شدة ذلك اليوم، لا لإرادة مكافأتكم; وإنا لا نريد منكم المكافأة لخوف عقاب الله تعالى على طلب المكافأة بالصدقة. ووصف اليوم بالعبوس مجاز على طريقين: أن يوصف بصفة أهله من الأشقياء، كقولهم: نهارك صائم. روي أن الكافر يعبس يومئذ حتى يسيل من بين عينيه عرق مثل القطران، وأن يشبه في شدته وضرره بالأسد العبوس أو بالشجاع الباسل. والقمطرير: الشديد العبوس الذي يجمع ما بين عينيه.

[ ص: 278 ] قال الزجاج : يقال: اقمطرت الناقة: إذا رفعت ذنبها وجمعت قطريها وزمت بأنفها فاشتقه من القطر وجعل الميم مزيدة. قال أسد بن ناعصة [من الخفيف]:


واصطليت الحروب في كل يوم باسل الشر قمطرير الصباح



التالي السابق


الخدمات العلمية