صفحة جزء
وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما إن الله كان عليما خبيرا

شقاق بينهما : أصله : شقاقا بينهما ، فأضيف الشقاق إلى الظرف على طريق الاتساع ، كقوله : بل مكر الليل والنهار [سبأ : 33] وأصله : بل مكر في الليل والنهار . أو على أن جعل البين مشاقا والليل والنهار ماكرين ، على قولهم : نهارك صائم ، والضمير للزوجين ، ولم يجر ذكرهما لجري ذكر ما يدل عليهما ، وهو الرجال والنساء حكما من أهله : رجلا مقنعا رضيا يصلح لحكومة العدل والإصلاح بينهما ، وإنما كان بعث الحكمين من أهلهما ، لأن الأقارب أعرف ببواطن الأحوال ، وأطلب للصلاح ، وإنما تسكن إليهم نفوس الزوجين ، ويبرز إليهم ما في ضمائرهما من الحب والبغض وإرادة الصحبة والفرقة ، وموجبات ذلك ومقتضياته وما يزويانه عن الأجانب ولا يحبان أن يطلعوا عليه . فإن قلت : فهل يليان الجمع بينهما والتفريق إن رأيا ذلك؟ قلت : قد اختلف فيه ، فقيل : ليس إليهما ذلك إلا بإذن الزوجين ، وقيل : ذلك إليهما ، وما جعلا حكمين إلا وإليهما بناء الأمر على ما يقتضيه اجتهادهما ، وعن عبيدة السلماني : شهدت عليا - رضي الله عنه - وقد [ ص: 73 ] جاءته امرأة وزوجها ومع كل واحد منهما فئام من الناس ، فأخرج هؤلاء حكما وهؤلاء حكما . فقال علي - رضي الله عنه - للحكمين : أتدريان ما عليكما؟ إن عليكما إن رأيتما أن تفرقا فرقتما ، وإن رأيتما أن تجمعا جمعتما . فقال الزوج : أما الفرقة فلا . فقال علي : كذب والله لا تبرح حتى ترضى بكتاب الله لك وعليك . فقالت المرأة : رضيت بكتاب الله لي وعلي ، وعن الحسن : يجمعان ولا يفرقان ، وعن الشعبي : ما قضى الحكمان جاز ، والألف في إن يريدا إصلاحا : للحكمين ، وفي يوفق الله بينهما : للزوجين أي : إن قصدا إصلاح ذات البين وكانت نيتهما صحيحة وقلوبهما ناصحة لوجه الله ، بورك في وساطتهما ، وأوقع الله بطيب نفسهما وحسن سعيهما بين الزوجين الوفاق والألفة ، وألقى في نفوسهما المودة والرحمة ، وقيل : الضميران للحكمين ، أي : إن قصدا إصلاح ذات البين والنصيحة للزوجين يوفق الله بينهما ، فيتفقان على الكلمة الواحدة ، ويتساندان في طلب الوفاق حتى يحصل الغرض ويتم المراد ، وقيل : الضميران للزوجين . أي : إن يريدا إصلاح ما بينهما وطلبا الخير وأن يزول عنهما الشقاق يطرح الله بينهما الألفة ، وأبدلهما بالشقاق وفاقا وبالبغضاء مودة إن الله كان عليما خبيرا : يعلم كيف يوفق بين المختلفين ويجمع بين المفترقين لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم [الأنفال : 63] .

التالي السابق


الخدمات العلمية