قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون  " قد " في 
قد نعلم  : بمعنى : " ربما " الذي يجيء لزيادة الفعل وكثرته ; كقوله [من الطويل] :  
[ ص: 339 ] أخو ثقة لا تهلك الخمر ماله ولكنه قد يهلك المال نائله 
والهاء في " إنه" : ضمير الشأن 
ليحزنك ، قرئ : بفتح الياء ، وضمها ، و 
الذي يقولون  : هو قولهم : 
ساحر كذاب لا يكذبونك ، قرئ : بالتشديد ، والتخفيف ، من : كذبه ، إذا جعله كاذبا في زعمه ، وأكذبه إذا وجده كاذبا ، والمعنى : أن تكذيبك أمر  
[ ص: 340 ] راجع إلى الله ; لأنك رسوله المصدق بالمعجزات ، فهم لا يكذبونك في الحقيقة ; وإنما يكذبون الله بجحود آياته ، فاله عن حزنك لنفسك ، وإن هم كذبوك وأنت صادق ، وليشغلك عن ذلك ما هو أهم ، وهو استعظامك بجحود آيات الله - تعالى - والاستهانة بكتابه ، ونحوه قول السيد لغلامه - إذا أهانه بعض الناس - : إنهم لم يهينوك ، وإنما أهانوني ، وفي هذه الطريقة قوله تعالى - : 
إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله  [الفتح : 10] ، وقيل : فإنهم لا يكذبونك بقلوبهم ، ولكنهم يجحدون بألسنتهم ، وقيل : فإنهم لا يكذبونك ; لأنك عندهم الصادق ، الموسوم بالصدق ، ولكنهم يجحدون بآيات الله . 
وعن 
 nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس   - رضي الله عنه - : " 
كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسمى الأمين " فعرفوا أنه لا يكذب في شيء ، ولكنهم كانوا يجحدون ، وكان أبو جهل  يقول : " ما نكذبك ; لأنك عندنا صادق ، وإنما نكذب ما جئتنا به" . 
وروي 
أن الأخنس بن شريق  قال لأبي جهل :  يا أبا الحكم ،  أخبرني عن محمد ،  أصادق هو أم كاذب ; فإنه ليس عندنا أحد غيرنا؟ فقال له : والله إن محمدا  لصادق ، وما كذب قط ، ولكن إذا ذهب بنو قصي  باللواء والسقاية والحجابة والنبوة ، فماذا يكون لسائر قريش؟ فنزلت . 
وقوله : 
ولكن الظالمين بآيات  : من إقامة الظاهر مقام المضمر ; للدلالة على أنهم ظلموا في جحودهم .