صفحة جزء
ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم كذلك زينا لكل أمة عملهم ثم إلى ربهم مرجعهم فينبئهم بما كانوا يعملون

ولا تسبوا : الآلهة الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله : وذلك أنهم قالوا عند نزول قوله تعالى : إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم [الأنبياء : 98] ; لتنتهين عن سب آلهتنا ، أو لنهجون إلهك .

وقيل : كان المسلمون يسبون آلهتهم ، فنهوا ; لئلا يكون سبهم سببا لسب الله تعالى .

فإن قلت : سب الآلهة حق وطاعة ، فكيف صح النهي عنه ، وإنما يصح النهي عن المعاصي؟

قلت : رب طاعة علم أنها تكون مفسدة فتخرج عن أن تكون طاعة ، فيجب النهي عنها ; لأنها معصية ، لا لأنها طاعة ، كالنهي عن المنكر ، هو من أجل الطاعات ، فإذا علم أنه يؤدي إلى زيادة الشر ، انقلب معصية ، ووجب النهي عن ذلك النهي ، كما يجب النهي عن المنكر .

فإن قلت : فقد روي عن الحسن ، وابن سيرين ، أنهما حضرا جنازة ، فرأى محمد نساء فرجع ، فقال الحسن : لو تركنا الطاعة لأجل المعصية ، لأسرع ذلك في ديننا .

قلت : ليس هذا ممن نحن بصدده ; لأن حضور الرجال الجنازة طاعة ، وليس بسبب لحضور النساء ; فإنهن يحضرنها حضر الرجال أو لم يحضروا ، بخلاف سب الآلهة ، [ ص: 386 ] وإنما خيل إلى محمد أنه مثله حتى نبه عليه الحسن ، " عدوا " : ظلما وعدوانا ، وقرئ : " عدوا " بضم العين وتشديد الواو بمعناه ، ويقال : هذا فلان عدوا ، وعدوا ، وعدوانا ، وعداء ، وعن ابن كثير : "عدوا" ، بفتح العين ، بمعنى : أعداء بغير علم : على جهالة بالله ، وبما يجب أن يذكر به كذلك زينا لكل أمة : مثل ذلك التزيين زينا لكل أمة من أمم الكفار سوء عملهم ، أو خليناهم وشأنهم ، ولم نكفهم حتى حسن عندهم سوء عملهم : أو أمهلنا الشيطان حتى زين لهم ، أو زيناه في زعمهم ، وقولهم : "إن الله أمرنا بهذا وزينه لنا" فينبئهم : فيوبخهم عليه ، ويعاتبهم ، ويعاقبهم .

التالي السابق


الخدمات العلمية