صفحة جزء
وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين

لما فتح الله عليه ، ذكره مكر قريش به حين كان بمكة ; ليشكر نعمة الله - عز وجل - في نجاته من مكرهم واستيلائه عليهم ، وما أتاح الله له من حسن العاقبة ، والمعنى : واذكر إذ يمكرون بك وذلك أن قريشا - لما أسلمت الأنصار وبايعوه - فرقوا أن يتفاهم أمره ، فاجتمعوا في دار الندوى متشاورين في أمره ، فدخل عليهم إبليس في صورة شيخ ، وقال : أنا شيخ من نجد ، ما أنا من تهامة ، دخلت مكة فسمعت باجتماعكم ، فأردت أن أحضركم ولن تعدموا مني رأيا ونصحا ، فقال أبو البختري : رأيي أن تحبسوه في بيت ، وتشدوا وثاقه ، وتسدوا بابه غير كوة تلقون إليه طعامه وشرابه منها ، وتتربصوا به ريب المنون ، فقال إبليس : بئس الرأي ، يأتيكم من يقاتلكم من قومه ويخلصه من أيديكم ، فقال هشام بن عمرو : رأيي أن تحملوه على جمل وتخرجوه من بين أظهركم ، فلا يضركم ما صنع واسترحتم ، فقال إبليس : بئس الرأي ، يفسد قوما غيركم ويقاتلكم بهم ، فقال أبو جهل : أنا أرى أن تأخذوا من كل بطن غلاما وتعطوه سيفا صارما ، فيضربوه ضربة رجل واحد فيتفرق دمه في القبائل ، فلا يقوى بنو هاشم على حرب قريش كلهم ، فإذا طلبوا العقل عقلناه واسترحنا ، فقال الشيخ - لعنه الله - : صدق هذا الفتى ، هو أجودكم رأيا ، فتفرقوا على رأي أبي جهل مجتمعين على قتله ، فأخبر جبريل - عليه السلام - رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأمره أن لا يبيت في مضجعه ، وأذن الله له في الهجرة ، فأمر عليا - رضي الله عنه [ ص: 576 ] فنام في مضجعه ، وقال له : "اتشح ببردتي ; فإنه لن يخلص إليك أمر تكرهه" وباتوا مترصدين ، فلما أصبحوا ثاروا إلى مضجعه ، فأبصروا عليا فبهتوا وخيب الله - عز وجل - سعيهم ، واقتصوا أثره ، فأبطل الله مكرهم "ليثبتوك" : ليسجنوك ، أو يوثقوك ، أو يثخنوك بالضرب والجرح ، من قولهم : ضربوه حتى أثبتوه لا حراك به ولا براح ، وفلان مثبت وجعا ، وقرئ : "ليثبتوك" ، بالتشديد ، وقرأ النخعي : "ليبيتوك" ، من البيات ، وعن ابن عباس : "ليقيدوك" ، وهو دليل لمن فسره بالإيثاق ، "ويمكرون" : ويخفون المكايد له ويمكر الله : ويخفي الله ما أعد لهم حتى يأتيهم بغتة والله خير الماكرين أي : مكره أنفذ من مكر غيره وأبلغ تأثيرا ، أو لأنه لا ينزل إلا ما هو حق وعدل ، ولا يصيب إلا بما هو مستوجب .

التالي السابق


الخدمات العلمية