صفحة جزء
ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام وإنه للحق من ربك وما الله بغافل عما تعملون ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره لئلا يكون للناس عليكم حجة إلا الذين ظلموا منهم فلا تخشوهم واخشوني ولأتم نعمتي عليكم ولعلكم تهتدون كما أرسلنا فيكم رسولا منكم يتلو عليكم آياتنا ويزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات بل أحياء ولكن لا تشعرون

ومن حيث خرجت : أي: ومن أي بلد خرجت للسفر فول وجهك شطر المسجد الحرام : إذا صليت، "وإنه": وإن هذا المأمور به، وقرئ: (تعملون) بالتاء والياء، وهذا التكرير لتأكيد أمر القبلة وتشديده; لأن النسخ من مظان الفتنة والشبهة وتسويل الشيطان والحاجة إلى التفصلة بينه وبين البداء، فكرر عليهم ليثبتوا ويعزموا ويجدوا، ولأنه نيط بكل واحد ما لم ينط بالآخر، فاختلفت فوائدها.

إلا الذين ظلموا : استثناء من الناس، ومعناه: لئلا يكون حجة لأحد من اليهود إلا للمعاندين منهم القائلين: ما ترك قبلتنا إلى الكعبة إلا ميلا إلى دين قومه وحبا لبلده، ولو كان على الحق للزم قبلة الأنبياء.

[ ص: 347 ] فإن قلت: أي حجة كانت تكون للمنصفين منهم لو لم يحول حتى احترز من تلك الحجة ولم يبال بحجة المعاندين؟ قلت: كانوا يقولون: ما له لا يحول إلى قبلة أبيه إبراهيم، كما هو مذكور في نعته في التوراة؟!

فإن قلت: كيف أطلق اسم الحجة على قول المعاندين؟ قلت: لأنهم يسوقونه سياق الحجة، ويجوز أن يكون المعنى: لئلا يكون للعرب عليكم حجة واعتراض في ترككم التوجه إلى الكعبة التي هي قبلة إبراهيم وإسماعيل أبي العرب، إلا الذين ظلموا منهم وهم أهل مكة حين يقولون: بدا له فرجع إلى قبلة آبائه، ويوشك أن يرجع إلى دينهم، وقرأ زيد بن علي -رضي الله عنهما- (ألا الذين ظلموا منهم) على أن "ألا" للتنبيه ووقف على (حجة) ثم استأنف منبها فلا تخشوهم : فلا تخافوا مطاعنهم في قبلتكم، فإنهم لا يضرونكم، "واخشوني": فلا تخالفوا أمري وما رأيته مصلحة لكم، ومتعلق اللام محذوف، معناه: ولإتمامي النعمة عليكم وإرادتي اهتداءكم أمرتكم بذلك، أو يعطف على علة مقدرة، كأنه قيل: واخشوني لأوفقكم ولأتم نعمتي عليكم، وقيل: هو معطوف على: لئلا يكون وفي الحديث: "تمام النعمة دخول الجنة".

وعن علي -رضي الله عنه -: "تمام النعمة الموت على الإسلام" كما أرسلنا : إما أن يتعلق بما قبله، أي: ولأتم نعمتي عليكم في الآخرة بالثواب كما أتممتها عليكم في الدنيا بإرسال الرسول، أو بما بعده، أي: كما ذكرتكم بإرسال الرسول، "فاذكروني" بالطاعة "أذكركم" بالثواب واشكروا لي : ما أنعمت به عليكم ولا تكفرون : ولا تجحدوا نعمائي.

أموات بل أحياء : هم أموات بل هم أحياء، ولكن لا تشعرون : كيف حالهم في حياتهم، وعن الحسن: أن الشهداء أحياء عند الله، تعرض أرزاقهم على أرواحهم، فيصل إليهم الروح والفرح، كما تعرض النار على أرواح آل فرعون غدوة وعشيا، فيصل إليهم الوجع.

وعن مجاهد : يرزقون ثمر الجنة ويجدون ريحها وليسوا فيها، وقالوا: يجوز أن يجمع الله من أجزاء الشهيد جملة فيحييها ويوصل إليها النعيم، وإن كانت في حجم الذرة، وقيل: نزلت في شهداء بدر وكانوا أربعة عشر.

التالي السابق


الخدمات العلمية