صفحة جزء
وما كان الناس إلا أمة واحدة فاختلفوا ولولا كلمة سبقت من ربك لقضي بينهم فيما فيه يختلفون ويقولون لولا أنزل عليه آية من ربه فقل إنما الغيب لله فانتظروا إني معكم من المنتظرين

وما كان الناس إلا أمة واحدة : حنفاء متفقين على ملة واحدة من غير أن يختلفوا بينهم، وذلك في عهد آدم إلى أن قتل قابيل هابيل، وقيل: بعد الطوفان حين لم يذر الله من الكافرين ديارا، ولولا كلمة سبقت من ربك : وهو تأخير الحكم بينهم إلى يوم القيامة، لقضي بينهم : عاجلا فيما اختلفوا فيه، ولميز المحق من المبطل، وسبق كلمته بالتأخير; لحكمة أوجبت أن تكون هذه الدار دار تكليف، وتلك دار ثواب وعقاب، وقالوا: لولا أنزل عليه آية من ربه : أرادوا آية من الآيات التي كانوا يقترحونها، وكانوا [ ص: 124 ] لا يعتدون بما أنزل عليه من الآيات العظام المتكاثرة التي لم ينزل على أحد من الأنبياء مثلها، وكفي بالقرآن وحده آية باقية على وجه الدهر، بديعة غريبة في الآيات، دقيقة المسلك من بين المعجزات، وجعلوا نزولها كلا نزول، وكأنه لم ينزل آية قط، حتى قالوا: لولا أنزل عليه آية واحدة منهن ربه، وذلك لفرط عنادهم، وتماديهم في التمرد وانهماكهم في الغي، فقل إنما الغيب لله : أي: هو المختص بعلم الغيب المستأثر به لا علم لي ولا لأحد به، يعني: أن الصارف عن إنزال الآيات المقترحة أمر مغيب لا يعلمه إلا هو، فانتظروا : نزول ما اقترحتموه، إني معكم من المنتظرين : لما يفعل الله بكم لعنادكم وجحودكم الآيات .

التالي السابق


الخدمات العلمية