صفحة جزء
والذين كسبوا السيئات جزاء سيئة بمثلها وترهقهم ذلة ما لهم من الله من عاصم كأنما أغشيت وجوههم قطعا من الليل مظلما أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون

فإن قلت: ما وجه قوله: والذين كسبوا السيئات جزاء سيئة بمثلها ، وكيف يتلاءم ؟

قلت: لا يخلو، إما أن يكون: والذين كسبوا : معطوفا على قوله: للذين أحسنوا ; كأنه قيل: وللذين كسبوا السيئات جزاء سيئة بمثلها، وإما: أن يقدر: وجزاء الذين كسبوا السيئات جزاء سيئة بمثلها على معنى: جزاؤهم أن تجازي سيئة واحدة بسيئة مثلها لا يزاد عليها، وهذا أوجه من الأول; لأن في الأول عطفا على عاملين، وإن كان الأخفش يجيزه، وفي هذا دليل على أن المراد بالزيادة الفضل; لأنه دل بترك الزيادة على السيئة على عدله، ودل ثمة بإثبات الزيادة على المثوبة على فضله، وقرئ: "يرهقهم ذلة" بالياء، من الله من عاصم : أي: لا يعصمهم أحد من سخط الله وعذابه، ويجوز ما لهم من جهة الله ومن عنده من يعصمهم كما يكون للمؤمنين، مظلما : حال من الله، ومن قرأ: "قطعا" بالسكون من قوله: "بقطع من الليل"، جعله صفة له; وتعضده قراءة أبي بن كعب : "كأنما يغشى وجوههم قطع من الليل مظلم".

فإن قلت: إذا جعلت مظلما حالا من الليل، فما العامل فيه ؟

قلت: لا يخلو إما أن يكون: "أغشيت" من قبل أو "من الليل ": صفة لقوله: "قطعا"، فكان إفضاؤه إلى الموصوف كإفضائه إلى الصفة، وإما: أن يكون معنى الفعل في: "من الليل".

التالي السابق


الخدمات العلمية