صفحة جزء
[ ص: 5 ] بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون [آل عمران: 102].

يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا [النساء: 1].

يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما [الأحزاب: 70 - 71]

أما بعد، فإن التفسير المسمى « أنوار التنزيل وأسرار التأويل » للعلامة القاضي المفسر ناصر الدين أبي الخير، عبد الله بن عمر بن علي البيضاوي الشيرازي، الشافعي (ت 685 هـ) يعتبر من أهم كتب التفسير بالرأي، فهو كتاب جليل دقيق، جمع بين التفسير والتأويل على قانون اللغة العربية، وقرر الأدلة على أصول السنة.

وقد اختصره مؤلفه من « كشاف » الزمخشري محمود بن عمر أبي القاسم (ت 538 هـ) مع ترك ما فيه من اعتزالات، كما استمده من « مفاتيح الغيب » للفخر الرازي محمد بن عمر بن حسين الشافعي الطبرستاني (ت 606 هـ) وبه تأثر عند عرضه للآيات الكونية ومباحث الطبيعة، ومن تفسير الراغب الأصبهاني الحسين بن محمد بن المفضل أبي القاسم (ت 502 هـ) المسمى « تحقيق البيان في تأويل القرآن »، فأصبح من أمهات كتب التفسير التي لا يستغني عنها الطالب لفهم كلام الله عز وجل.

والبيضاوي رحمه الله مقل جدا من الروايات الإسرائيلية، لكنه يذكر في نهاية كل سورة حديثا في فضلها - كما وقع فيه صاحب « الكشاف » - وهي موضوعة باتفاق أهل الحديث وهذا من هناته رحمه الله.

هذا وقد ضمن البيضاوي تفسيره نكتا بارعة، واستنباطات دقيقة، كل هذا في أسلوب رائع موجز، وهو يهتم أحيانا بذكر القراءات، ولكنه لا يلتزم المتواتر منها، فيذكر الشاذ، كما أنه يتعرض لبعض المسائل الفقهية عند آيات الأحكام دون توسع منه، مع عرض للصناعة النحوية.

ونظرا لما يحتله هذا الكتاب من أهمية في عالم التفاسير، فقد وضع عليه العلماء الحواشي والتعليقات [ ص: 6 ] الكثيرة، فمنهم من علق تعليقة على سورة منه، ومنهم من حشى تحشية تامة، ومنهم من كتب على بعض مواضع منه.

وأحسن حواشيه المتداولة حاشية الشهاب الخفاجي المصري أحمد بن محمد بن عمر (ت 1069 هـ) وسماها « عناية القاضي وكفاية الراضي » وهي مطبوعة وتقع في ثمانية مجلدات.

ونظرا لما يحتله هذا الكتاب من أهمية، فقد رأت دار إحياء التراث العربي طبعه بهذه الحلة القشيبة، بعد ما قامت بتصحيح [اظه وتجاربه ومراجعته بما قدر الله به وأعان.

هذا وقد وضعنا وراء هذه الكلمة مقدمة: ترجمنا فيه لمؤلف هذا التفسير، وعرفنا به، وبطريقة مؤلفه فيه بشيء من التفصيل مع ذكر التعليقات والحواشي عليه.

ربنا تقبل منا هذا العمل خالصا لوجهك الكريم، واجعله في صحائف أعمال أصحابه وانفع به، إنك يا مولانا على كل شيء قدير وبالإجابة جدير.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، وعلى من اهتدى بهديهم إلى يوم الدين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

وكتبه محمد عبد الرحمن المرعشلي بيروت 21 شوال 1418 هـ الموافق 18 شباط 1998 .

التالي


الخدمات العلمية