1. الرئيسية
  2. تفسير النسفي
  3. تفسير سورة الرعد
  4. تفسير قوله تعالى أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها فاحتمل السيل زبدا رابيا
صفحة جزء
أنـزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها فاحتمل السيل زبدا رابيا ومما يوقدون عليه في النار ابتغاء حلية أو متاع زبد مثله كذلك يضرب الله الحق والباطل فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض كذلك يضرب الله الأمثال

17 - أنـزل أي الواحد القهار وهو الله سبحانه من السماء من السحاب ماء مطرا فسالت أودية جمع واد وهو الموضع الذي يسيل فيه الماء بكثرة وإنما نكر؛ لأن المطر لا يأتي إلا على طريق المناوبة بين البقاع فيسيل بعض بقدرها بمقدارها الذي علم الله أنه نافع للممطور عليهم غير ضار فاحتمل السيل أي : رفع زبدا هو ما علا وجه الماء من الرغوة ، والمعنى علاه زبد رابيا منتفخا مرتفعا على وجه السيل ومما يوقدون عليه وبالياء كوفي غير أبي بكر ، و"من" لابتداء الغاية أي : ومنه ينشأ زبد مثل زبد الماء ، أو للتبعيض أي : وبعضه زبد في النار حال من الضمير في "عليه" أي : ومما توقدون عليه ثابتا في النار ابتغاء حلية مبتغين حلية فهو مصدر في موضع الحال من "توقدون" أو متاع من الحديد والنحاس والرصاص يتخذ منها الأواني وما يتمتع به في الحضر والسفر وهو معطوف على حلية أي : زينة من الذهب والفضة زبد خبث وهو مبتدأ مثله نعت له "ومما توقدون" [ ص: 150 ] خبر له أي : لهذه الفلزات إذا أغليت زبد مثل زبد الماء كذلك يضرب الله الحق والباطل أي : مثل الحق والباطل فأما الزبد فيذهب جفاء حال أي : متلاشيا وهو ما تقذفه القدر عند الغليان والبحر عند الطغيان ، والجفء: الرمي ، وجفأت الرجل: صرعته وأما ما ينفع الناس من الماء والحلي والأواني فيمكث في الأرض فيثبت الماء في العيون والآبار والحبوب والثمار وكذلك الجواهر تبقى في الأرض مدة طويلة كذلك يضرب الله الأمثال ليظهر الحق من الباطل

وقيل: هذا مثل ضربه الله للحق وأهله والباطل وحزبه فمثل الحق وأهله بالماء الذي ينزل من السماء فتسيل به أودية الناس فيحيون به وينفعهم بأنواع المنافع وبالفلز الذي ينتفعون به في صوغ الحلي منه واتخاذ الأواني والآلات المختلفات وذلك ماكث في الأرض باق بقاء ظاهرا يثبت الماء في منافعه وكذلك الجواهر تبقى أزمنة متطاولة ،وشبه الباطل في سرعة اضمحلاله ووشك زواله بزبد السيل الذي يرمي به وبزبد الفلز الذي يطفو فوقه إذا أذيب . قال الجمهور : وهذا مثل ضربه الله تعالى للقرآن والقلوب والحق والباطل فالماء القرآن نزل لحياة الجنان كالماء للأبدان والأودية للقلوب ومعنى بقدرها بقدر سعة القلب وضيقه والزبد هواجس النفس ووساوس الشيطان والماء الصافي المنتفع به مثل الحق فكما يذهب الزبد باطلا ويبقى صفو الماء كذلك تذهب هواجس النفس ووساوس الشيطان ويبقى الحق كما هو وأما حلية الذهب والفضة فمثل للأحوال السنية والأخلاق الزكية وأما متاع الحديد والنحاس والرصاص فمثل للأعمال الممدة بالإخلاص المعدة للخلاص فإن الأعمال جالبة للثواب دافعة للعقاب كما أن تلك الجواهر بعضها أداة النفع للكسب وبعضها آلة الدفع في الحرب وأما الزبد فالرياء والخلل والملل والكسل

التالي السابق


الخدمات العلمية