صفحة جزء
قوله عز وجل:

كذبت قوم نوح المرسلين إذ قال لهم أخوهم نوح ألا تتقون إني لكم رسول أمين فاتقوا الله وأطيعون وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين فاتقوا الله وأطيعون قالوا أنؤمن لك واتبعك الأرذلون قال وما علمي بما كانوا يعملون إن حسابهم إلا على ربي لو تشعرون وما أنا بطارد المؤمنين إن أنا إلا نذير مبين قالوا لئن لم تنته يا نوح لتكونن من المرجومين قال رب إن قومي كذبون فافتح بيني وبينهم فتحا ونجني ومن معي من المؤمنين [ ص: 495 ] فأنجيناه ومن معه في الفلك المشحون ثم أغرقنا بعد الباقين إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين وإن ربك لهو العزيز الرحيم

أسند "كذبت" إلى "القوم" وفيه عدم التأنيث، من حيث "القوم" في معنى الأمة والجماعة. وقوله: "المرسلين" من حيث إن من كذب نبيا واحدا فقد كذب جميع الأنبياء; إذ قولهم واحد، ودعوتهم سواء، وقوله تعالى: أخوهم يريد: في النسب والمنشأ، لا في الدين، و "أمين" معناه: على وحي الله تعالى ورسالته، يريد: في المنشأ.

وقرأ ابن كثير ، وعاصم : "أجري" ساكنة الياء، وقرأ نافع ، وأبو جعفر ، وشيبة بفتح الياء في كل القرآن، ثم رد عليهم الأمر بالتقوى والدعاء إلى الطاعة تحذيرا ونذارة وحرصا عليهم، فذهب أشرافهم إلى استنقاص أتباعه بسبب صغار الناس الذين اتبعوه وضعفائهم، وهذا كفعل قريش في عمار بن ياسر ، وصهيب ، وغيرهما. وقال بعض الناس: "الأرذلون": الحاكة والحجامون والأساكفة.

قال القاضي أبو محمد رحمه الله :

وهذا عندي على جهة المثال، أي: أهل الصنائع الخسيسة، لا أن هذه الصنائع المذكورة خصت بهذا. و "الأرذلون": جمع الأرذل، ولا يستعمل إلا معرفا أو مضافا، أو بمن، ويظهر من الآية أن مراد قوم نوح بنسبة الرذيلة إلى المؤمنين تهجين أفعالهم، لا النظر في صنائعهم، يدل على ذلك قول نوح : وما علمي الآية; لأن معنى كلامه: ليس في نظري وعلمي بأعمالهم ومعتقداتهم فائدة، فإنما أقنع بظاهرهم وأجتزئ به، ثم حسابهم على الله تبارك وتعالى، وهذا نحو ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا إله إلا الله ... الحديث بجملته.

[ ص: 496 ] وقرأ جمهور الناس: "واتبعك" على الفعل الماضي، وقرأ ابن السميفع اليماني ، وسعيد بن أبي سعيد الأنصاري : "وأتباعك" على الجمع، ونسبها أبو الفتح إلى ابن مسعود ، والضحاك ، وطلحة ، قال أبو عمرو : وهي قراءة ابن عباس رضي الله عنهما، والأعمش ، وأبي حيوة . وقرأ عيسى بن عمر الهمذاني : "لو يشعرون" بالياء من تحت، وقرأ الجمهور :"تشعرون" بتاء الخطاب. وإعراب قوله: "وأتباعك" إما جعله في موضع الحال، وإما عطف على الضمير في قوله: أنؤمن لك ، وحسن ذلك الفصل بقوله: "لك".

وقوله: من المرجومين يحتمل أن يريد: بالحجارة، ويحتمل أن يريد: بالقرآن والشتم ونحوه وهو شبيه برجم الحجارة، وهو من الرجم بالغيب والظن ونحو ذلك. وقوله: "افتح" معناه: احكم، والفتاح: القاضي بلغة يمنية، و "الفلك": السفينة، وجمعها فلك أيضا، وقد تقدم بسط القول في هذا الجمع في سورة الأعراف. و "المشحون" معناه: المملوء بما ينبغي له من قدر ما يحمل، وباقي الآية بين.

التالي السابق


الخدمات العلمية