صفحة جزء
قوله عز وجل:

وكأين من دابة لا تحمل رزقها الله يرزقها وإياكم وهو السميع العليم ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض وسخر الشمس والقمر ليقولن الله فأنى يؤفكون الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر له إن الله بكل شيء عليم ولئن سألتهم من نزل من السماء ماء فأحيا به الأرض من بعد موتها ليقولن الله قل الحمد لله بل أكثرهم لا يعقلون

"كأين" بمعنى "كم"، وهذه الآية تحريض على الهجرة; لأن بعض المؤمنين فكر في الفقر والجوع الذي يلحقه في الهجرة، وقالوا: غربة في بلد لا دار لنا فيه ولا عقار ولا من يطعم، فمثل لهم بأكثر الدواب التي تتقوت ولا تدخر ولا تروي في رزقها، والمعنى: فهو يرزقكم أنتم، ففضلوا طاعة الله تعالى على كل شيء. وقوله تعالى: لا تحمل يجوز أن يريد: من الحمل، أي: لا تنقل ولا تنظر في ادخاره، قاله ابن مجلز ، ومجاهد ، وعلي بن الأقمر .

قال القاضي أبو محمد رحمه الله :

والادخار ليس من خلق الموقنين، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لابن عمر رضي الله عنهما: كيف بك إذا بقيت في حثالة من الناس يخبئون رزق سنة بضعف اليقين ، ويجوز أن يريد من الحمالة، أي: لا تتكفل برزقها ولا تروي فيه.

ثم خاطب تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم في أمر الكفار وإقامة الحجة عليهم بأنهم إن سألوا عن الأمور العظام التي هي دلائل القدرة لم يكن لهم إلا التسليم بأنها لله تعالى، و "يؤفكون" معناه: يصرفون، ونبه تبارك وتعالى على خلق السماوات والأرض وتسخير الكواكب، [ ص: 659 ] وذكر عظمها، ونبه تعالى على بسط الرزق وقدره لقوم، وإنزال المطر من السماء، وهذه عبر كثيرة لمن تأمل بالنجاة والمعتقد الأقوم، ثم أمر تعالى نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم بحمده على جهة التوبيخ لعقولهم، وحكم عليهم بأن أكثرهم لا يعقلون ولا يبدو منهم نظر.

التالي السابق


الخدمات العلمية