1. الرئيسية
  2. تفسير ابن عطية
  3. تفسير سورة الأحزاب
  4. قوله عز وجل وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم
صفحة جزء
قوله عز وجل:

وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك واتق الله وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها لكي لا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهن وطرا وكان أمر الله مفعولا

قوله: "وما كان" لفظه النفي ومعناه الحظر والمنع من فعل هذا، وهذه العبارة: "ما كان" و "ما ينبغي" ونحوها تجيء لحظر الشيء والحكم بأنه لا يكون، وربما كان امتناع ذلك الشيء عقلا، كقوله: ما كان لكم أن تنبتوا شجرها ، وربما كان العلم بامتناعه شرعا، كقوله تعالى: وما كان لبشر أن يكلمه الله ، وربما كان حظره بحكم شرعي كهذه الآية، وربما كان في المندوبات، كما تقول: "ما كان لك يا فلان أن تترك النوافل" ونحو هذا.

وسبب هذه الآية فيما قال قتادة ، وابن عباس ، ومجاهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب زينب بنت جحش ، فظنت أن الخطبة لنفسه، فلما بين أنه إنما يريدها لزيد بن حارثة كرهت وأبت، فنزلت الآية، فأذعنت زينب حينئذ وتزوجته، وقال ابن زيد : إنما [ ص: 121 ] أنزلت بسبب أن أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم فزوجها من زيد بن حارثة ، فكرهت ذلك هي وأخوها، وقالا: إنما أردنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فزوجها غيره. فنزلت الآية بسبب ذلك، فأجابا إلى تزويج زيد.

و"الخيرة": مصدر بمعنى التخير، وهذه الآية في ضمن قوله تعالى: النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم . وهذه الآية تقوي في قوله تعالى: وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة أن "ما" نافية لا مفعولة.

وقرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو ، وابن عامر ، وأبو جعفر ، وشيبة ، والأعرج ، وعيسى : "أن تكون" بالتاء على لفظ "الخيرة". وقرأ عاصم ، وحمزة ، والكسائي ، والأعمش ، وأبو عبد الرحمن : "أن يكون" على معنى "الخيرة"، وأن تأنيثها غير حقيقي، وقوله في الآية الأخرى: ما كان لهم الخيرة دون علامة تأنيث يقوي هذه القراءة التي بالياء.

ثم توعد عز وجل وأخبر أن من يعص الله ورسوله فقد ضل، وهذا العصيان يعم الكفر فما دونه، وكل عاص يأخذ من الضلال بقدر معصيته.

ثم عاتب تعالى نبيه عليه الصلاة والسلام بقوله: "وإذ تقول" الآية. واختلف الناس في تأويلها، فذهب قتادة ، وابن زيد ، وجماعة من المفسرين - منهم الطبري وغيره - إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم وقع منه استحسان لزينب وهي في عصمة زيد، وكان حريصا على أن يطلقها زيد فيتزوجها هو، ثم إن زيدا لما أخبره بأنه يريد فراقها، ويشكو منها غلظة قول وعصيان أمر وأذى باللسان وتعظما بالشرف قال له: "اتق الله"، أي: فيما تقول عنها، و أمسك عليك زوجك ، وهو يخفي الحرص على طلاق زيد إياها، وهذا هو الذي كان يخفي في نفسه، ولكنه لزم ما يجب من الأمر بالمعروف. وقالوا: خشي رسول الله صلى الله عليه وسلم قالة الناس في ذلك، فعاتبه الله تعالى على جميع هذا.

[ ص: 122 ] وقرأ ابن أبي عبلة : "ما الله مظهره"، وقال الحسن: ما نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد عليه من هذه الآية، وقال هو وعائشة رضي الله عنهما: لو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كاتما شيئا من الوحي لكتم هذه الآية لشدتها عليه، وروى ابن زيد في نحو هذا القول أن النبي صلى الله عليه وسلم طلب زيدا في داره فلم يجده، ورأى زينب حاسرة فأعجبته فقال: "سبحان الله مقلب القلوب" وروي في هذه القصة أشياء يطول ذكرها، وهذا الذي ذكرناه مستوف لمعانيها.

وذهب قوم من المتأولين إلى أن الآية لا كبير عتب فيها، ورووا عن علي بن الحسين أنه قد أوحي إلى النبي صلى الله عليه وسلم أن زيدا يطلق زينب ، وأنه يتزوجها بتزويج الله إياها، فلما تشكى زيد للنبي صلى الله عليه وسلم خلق زينب وأنها لا تطيعه، وأعلمه بأنه يريد طلاقها، قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم على جهة الأدب والوصية: "اتق الله" - أي في أقوالك "وأمسك عليك زوجك"، وهو يعلم أنه سيفارقها. وهذا هو الذي أخفى في نفسه، ولم يرد أن يأمره بالطلاق لما علم من أنه سيتزوجها، وخشي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يلحقه قول من الناس في أن يتزوج زينب بعد زيد وهو مولاه وقد أمره بطلاقها، فعاتبه الله تعالى على هذا القدر من أن خشي الناس في شيء قد أباحه الله تعالى بأن قال: "أمسك" مع علمه أنه يطلق، وأعلمه أن الله أحق بالخشية، أي في كل حال.

[ ص: 123 ] وقوله تعالى: أنعم الله عليه أي بالإسلام وغيره، وأنعمت عليه أي بالعتق، وهو زيد بن حارثة ، وزينب هي بنت جحش هي بنت أميمة بنت عبد المطلب عمة النبي عليه الصلاة والسلام.

ثم أعلم تعالى أنه زوجها منه لما قضى زيد وطره منها لتكون سنة للمسلمين في أزواج أدعيائهم، وليبين أنها ليست كحرمة النبوة، وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لزيد : "ما أجد في نفسي أوثق منك، فاخطب زينب علي"، قال: فذهبت ووليتها ظهري توقيرا للنبي عليه الصلاة والسلام، وخطبتها ففرحت وقالت: ما أنا بصانعة شيئا حتى أوامر ربي، فقامت إلى مسجدها، ونزل القرآن فتزوجها النبي صلى الله عليه وسلم ودخل بها.

و"الوطر": الحاجة والبغية، والإشارة هنا إلى الجماع، وروى جعفر بن محمد عن آبائه عن النبي صلى الله عليه وسلم: "وطرا زوجتكها". وذهب بعض الناس من هذه الآية ومن قول شعيب: إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين إلى أن ترتيب هذا المعنى في المهور ينبغي أن يكون: "أنكحه إياها" فيقدم ضمير الزوج لما في الآيتين، وهذا عندي غير لازم، لأن الزوج في الآية مخاطب فحسن تقديمه، وفي المهور الزوجان غائبان فقدم من شئت، ولم يبق ترجيح إلا بدرجة الرجال وأنهم القائمون.

وقوله تعالى: وكان أمر الله مفعولا فيه حذف مضاف تقديره: "وكان حكم أمر الله" أو "مضمن أمر الله"، وإلا فالأمر قديم لا يوصف بأنه مفعول، ويحتمل - على بعد - أن يكون "الأمر" واحد الأمور أي التي شأنها أن تفعل. وروي أن عائشة وزينب تفاخرتا، فقالت عائشة رضي الله عنها: أنا التي سبقت صفتي لرسول الله صلى الله عليه وسلم من الجنة [ ص: 124 ] في سرقة حرير، وقالت زينب رضي الله عنها: أنا التي زوجني الله من فوق سبع سموات. وقال الشعبي : كانت زينب تقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إني لأدل عليك بثلاث ما من نسائك امرأة تدل بهن، أن جدي وجدك واحد، وإن الله أنكحك إياي من السماء، وأن السفير في ذلك. جبريل.

التالي السابق


الخدمات العلمية