صفحة جزء
قوله عز وجل:

يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى ذلكم الله ربكم له الملك والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم ويوم القيامة يكفرون بشرككم ولا ينبئك مثل خبير

"يولج" معناه: يدخل، وهذه عبارة عن أن ما نقص من الليل زاد في النهار، فكأنه دخل فيه، وكذلك ما نقص من النهار يدخل في الليل. والألف واللام في الشمس والقمر هي للعهد، وقيل: هي زائدة لا معنى لها ولا تعريف. وهذا هو الصواب. و"الأجل المسمى" هو قيام الساعة، وقيل: آماد الليل وآماد النهار، فـ"أجل" - على هذا - اسم جنس. وقرأ جمهور القراء: "تدعون" بالتاء، وقرأ الحسن ويعقوب بالياء. و"القطمير": القشرة الرفيعة التي على نوى التمرة، هذا قول الناس الحجة، وقال جويبر عن رجاله: القطمير: القمع الذي في رأس التمرة، وقال الضحاك : والأول أشهر وأصوب.

ثم بين تعالى أمر الأصنام بثلاثة أشياء، كلها تعطي بطلانها: أولها أنها لا تسمع إن دعيت، والثاني أنها لا تجيب إن لو سمعت، وإنما جاء بهذه لأن لقائل متعسف أن يقول: عساها تسمع، والثالث أنها تتبرأ يوم القيامة من الكفار.

و يكفرون بشرككم أي: بأن جعلوهم شركاء لله، فأضاف الشرك إليهم من حيث هم قرروه، فهو مصدر مضاف إلى الفاعل، وقوله: "يكفرون" يحتمل أن يكون [ ص: 211 ] بكلام وعبارة يقدر الله الأصنام عليها، ويخلق لها إدراكا يقتضيها، ويحتمل أن يكون بما يظهر هناك من جمودها وبطولها عند حركة كل ناطق، ومدافعة كل محتج، فيجيء هذا على طريق التجوز، كما قال ذو الرمة :


وقفت على ربع لمية ناطق ... تخاطبني آثاره وأخاطبه

    وأسقيه حتى كاد مما أبثه
... تكلمني أحجاره وملاعبه



وقوله تعالى: ولا ينبئك مثل خبير قال المفسرون - قتادة وغيره -: الخبير: أراد به تعالى نفسه، فهو الخبير الصادق الخبر، نبأ بهذا فلا شك في وقوعه. ويحتمل أن يكون قوله تعالى: ولا ينبئك مثل خبير من تمام ذكر الأصنام، كأنه قال: ولا يخبرك مثل من يخبر عن نفسه، وهي قد أخبرت عن نفسها بالكفر بهؤلاء.

التالي السابق


الخدمات العلمية