صفحة جزء
قوله عز وجل:

يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ولا تبطلوا أعمالكم إن الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله ثم ماتوا وهم كفار فلن يغفر الله لهم فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم وأنتم الأعلون والله معكم ولن يتركم أعمالكم

روي أن هذه الآية نزلت في بني أسد من العرب; وذلك أنهم أسلموا وقالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم: نحن قد آثرناك على كل شيء وجئناك بنفوسنا وأهلينا، كأنهم منوا بذلك، فنزل فيهم يمنون عليك أن أسلموا الآية، ونزلت فيهم هذه الآية، فإن كان هذا فالإبطال الذي نهوا عنه ليس بمعنى الإفساد التام; لأن الإفساد التام لا يكون إلا بالكفر، وإلا فالحسنات لا تبطلها المعاصي، وإن كانت الآية عامة على ظاهرها نهي الناس عن إبطال أعمالهم، فالإبطال هو الإفساد التام.

وقوله تعالى: إن الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله ثم ماتوا وهم كفار ، روي أنها نزلت بسبب أن عدي بن حاتم قال: يا رسول الله، إن حاتما كانت له أفعال بر، فما حاله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هو في النار"، فبكى عدي رضي الله عنه وولى، فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له: "أبي وأبوك وأبو إبراهيم خليل الرحمن في النار"، ونزلت هذه [ ص: 660 ] الآية في ذلك، وظاهر الآية العموم في كل ما تناولته الصفة. وقوله تعالى: فلا تهنوا معناه: فلا تضعفوا، وهو من "وهن الرجل" إذا ضعف، وقرأ جمهور الناس: "وتدعوا إلى السلم"، وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي : "وتدعوا إلى السلم" بالتشديد في الدال، وقرأ جمهور القراء: "السلم" بفتح السين، وقرأ حمزة ، وأبو بكر عن عاصم : "السلم" بكسر السين، وهي قراءة الحسن، وأبي رجاء ، والأعمش ، وعيسى ، وطلحة ، وهو بمعنى المسالمة، وقال الحسن بن أبي الحسن وفرقة ممن قرأ بكسر السين: إنه بمعنى الإسلام، أي: فلا تهنوا وتكونوا داعين إلى الإسلام فقط دون مقاتلين بسببه، وقال قتادة : معنى الآية: لا تكونوا أول الطائفتين ضرعت للأخرى، وهذا حسن ملتئم مع قوله تعالى: وإن جنحوا للسلم فاجنح لها .

وقوله تعالى: وأنتم الأعلون يحتمل معنيين: أحدهما أن يكون في موضع الحال، والمعنى: لا تهنوا وأنتم في هذه الحال، والمعنى الثاني أن يكون إخبارا مقطوعا، أخبرهم فيه بمغيب أبرزه الوجود بعد ذلك، و[الأعلون] معناه: الغالبون والظاهرون، ويذهب، ومنه قوله عليه الصلاة والسلام: "من ترك صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله"، أي: ذهب بجميع ذلك على جهة التغلب والقهر، والمعنى: لن يتركم [ ص: 661 ] ثواب أعمالكم أو جزاءها واللفظة مأخوذة من الوتر الذي هو الذحل، وذهب قوم إلى أنها من الوتر الذي هو الفرد، والمعنى: لن يفردكم من ثواب أعمالكم، والأول أصح، وفسر ابن عباس رضي الله عنهما وأصحابه: يظلمكم.

التالي السابق


الخدمات العلمية