صفحة جزء
[ ص: 673 ] وقوله عز وجل:

سيقول لك المخلفون من الأعراب شغلتنا أموالنا وأهلونا فاستغفر لنا يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم قل فمن يملك لكم من الله شيئا إن أراد بكم ضرا أو أراد بكم نفعا بل كان الله بما تعملون خبيرا بل ظننتم أن لن ينقلب الرسول والمؤمنون إلى أهليهم أبدا وزين ذلك في قلوبكم وظننتم ظن السوء وكنتم قوما بورا

المخلفون من الأعراب قال مجاهد وغيره: هم جهينة ومزينة ومن كان حول المدينة من القبائل، فإنهم في خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عمرته عام الحديبية رأوا أنه يستقبل عدوا عظيما من قريش وثقيف وكنانة والقبائل المجاورة وهم الأحابيش، ولم يكن تمكن إيمان أولئك المجاورين للمدينة، فقعدوا عن النبي صلى الله عليه وسلم وتخلفوا، وقالوا: لن يرجع محمد صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه من هذه السفرة، ففضحهم الله تعالى في هذه الآية وأعلم محمدا صلى الله عليه وسلم بقولهم واعتذارهم قبل أن يصل إليهم، فكان كذلك، قالوا: شغلتنا الأموال والأهلون فاستغفر لنا، وهذا منهم خبث وإبطال، فلذلك قال تعالى: يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم ، قال الرماني : لا يقال أعرابي إلا لأهل البوادي خاصة.

ثم قال تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: قل لهم: فمن يملك لكم من الله شيئا ، أي: من يحمي منه أموالكم وأهليكم إن أراد بكم فيها سوءا؟ وقرأ جمهور القراء: "إن أراد بكم ضرا" بفتح الضاد، وقرأ حمزة والكسائي : "ضرا" بالضم، ورجحها أبو علي ، وهما لغتان، وفي مصحف ابن مسعود : "إن أراد بكم سوءا". ثم رد الله تعالى عليهم بقوله: بل كان الله بما تعملون خبيرا ، ثم فسر لهم العلة التي تخلفوا من أجلها بقوله تعالى: بل ظننتم الآية، وفي قراءة عبد الله : "إلى أهلهم" بغير ياء، و "بورا" معناه: فاسدين هلكى بسبب فسادهم، والبوار: الهلاك، و"بارت السلعة" مأخوذ من هذا، و"بور" يوصف به الجمع والإفراد، ومنه قول ابن الزبعرى:


يا رسول المليك إن لساني ... راتق ما فتقت إذ أنا بور



[ ص: 674 ] والبور في لغة أزد عمان: الفاسد، ومنه قول أبي الدرداء : "فأصبح ما جمعوا بورا" أي فاسدا ذاهبا، ومنه قول حسان بن ثابت :


لا ينفع الطول من نوك القلوب وقد ...     يهدي الإله سبيل المعشر البور



وقال الطبري في قوله تعالى: يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم : يعني به قولهم: فاستغفر لنا ; لأنهم قالوا ذلك مصانعة من غير توبة ولا ندم، قال: وقوله تعالى: قل فمن يملك لكم الآية معناه: ولا ينفعكم استغفاري، وهل أملك لكم شيئا والله قد أراد ضركم بسبب معصيتكم؟ كما لا أملك إن أراد بكم النفع في أموالكم وأهليكم.

التالي السابق


الخدمات العلمية