صفحة جزء
[ ص: 273 ] قوله عز وجل:

يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم أولئك هم الفاسقون لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة أصحاب الجنة هم الفائزون لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون

هذه آية وعظ وتذكير وتقريب للآخرة، وتحذير ممن لا تخفى عليه خافية، وقرأ جمهور الناس: "ولتنظر" بسكون اللام وجزم الراء على أصل لام الأمر، وقرأ يحيى بن الحارث ، وأبو حيوة، وفرقة كذلك الأمر، إلا أنها كسرت على أصل لام الأمر، وقرأ الحسن بن أبي الحسن -فيما روي عنه-: "ولتنظر" بنصب الراء على لام "كي"، كأنه تعالى قال: وأمرنا بالتقوى لتنظروا، كأنه تعالى قال: اتقوا الله ولتكن تقواكم لتنظر. وقوله تعالى: "لغد" يريد يوم القيامة، قال قتادة : قرب الله تعالى القيامة حتى جعلها غدا، وذلك لأنها آتية لا محالة، وكل آت قريب، ويحتمل أن يريد تعالى بقوله:"لغد" ليوم الموت لأنه لكل إنسان كغده، ومعنى الآية: ما قدمت من الأعمال، فإذا نظرها الإنسان تزيد من الصالحات وكف عن السيئات، وقال مجاهد ، وابن زيد : الأمس الدنيا وغد الآخرة.

وقرأ الجمهور: "ولا تكونوا" بالتاء من فوق على مخاطبة جميع الذين آمنوا، وقرأ أبو حيوة: "يكونوا" بالياء من تحت، كناية عن "نفس" التي هي اسم الجنس، و"الذين نسوا الله" هم الكفار، والمعنى: تركوا الله وغفلوا عنه حتى كانوا كالناسين، وعبر تعالى عما حفهم به من الضلالة بـ "فأنساهم أنفسهم"، سمى عقوبتهم باسم ذنبهم بوجه ما، وهذا أيضا هو الجزاء بالذنب على الذنب، فكسبوا هم نسيان جهة الله تعالى. فعاقبهم الله تعالى بأن جعلهم ينسون أنفسهم، قال سفيان : المعنى: حظ أنفسهم، ويعطي لفظ هذه الآية أن من عرف نفسه ولم ينسها عرف ربه سبحانه ، وقد قال علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه: اعرف نفسك تعرف ربك، وروي عنه أنه قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: اعرف نفسك تعرف ربك، وروى عنه أنه قال أيضا: من لم يعرف نفسه لم يعرف ربه. وقرأ ابن مسعود رضي الله عنه: "ولا أصحاب الجنة" بزيادة "لا".

[ ص: 274 ] وقوله تعالى: لو أنزلنا هذا القرآن الآية... موعظة للإنسان، أو ذم لأخلاقه في غفلته وإعراضه عن داعية الله تعالى، وذلك أن القرآن نزل عليهم وفهموه وأعرضوا عنه، وهو لو نزل على جبل وفهم الجبل منه ما فهم الإنسان لخشع واستكان وتصدع من خشية الله تبارك وتعالى، وإذا كان الجبل على عظمه وقوته يفعل هذا فما عسى أن يحتاج ابن آدم يفعل، لكنه يعرض ويصد على حقارته وضعفه، وضرب الله تبارك وتعالى هذا المثل ليتفكر فيه العاقل ويخشع ويلين قلبه، وقرأ طلحة بن مصرف : "مصدعا" على إدغام التاء في الصاد.

التالي السابق


الخدمات العلمية