1. الرئيسية
  2. تفسير ابن عطية
  3. تفسير سورة الطلاق
  4. قوله عز وجل واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن
صفحة جزء
قوله عز وجل:

واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرا ذلك أمر الله أنزله إليكم ومن يتق الله يكفر عنه سيئاته ويعظم له أجرا أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن وأتمروا بينكم بمعروف وإن تعاسرتم فسترضع له أخرى لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها سيجعل الله بعد عسر يسرا

"اللائي": هو جمع ذات فيما حكى أبو عبيدة ، وهو ضعيف، والذي عليه الناس أنه جمع "التي"، وقد يجيء جمعا لـ "لذي"، واليائسات من المحيض على مراتب، فيائسة هو أول يأسها فهذه ترفع إلى السنة ويبقيها الاحتياط على حكم من ليست بيائسة لأنها لا تدري لعل الدم يعود، ويائسة قد انقطع عنها الدم لأنها طعنت في السن ثم طلقت وقد مرت عادتها بانقطاع الدم إلا أنها ممن يخاف أن تحمل نادرا، فهذه التي في الآية [ ص: 332 ] على أحد التأويلين في قوله تعالى: "إن ارتبتم"، وهو قول من جعل الارتياب بأمر الحول، وهو الأظهر، ويائسة قد هرمت حتى تتيقن أنها لا تحمل، فهذه ليست في الآية لأنها لا ترتاب بحملها، لكنها في حكم الأشهر الثلاثة إجماعا فيما علمت، وهي في الآية على تأويل من يرى قوله تعالى: "إن ارتبتم" معناه في حكم اليائسات، وذلك أنه روى إسماعيل بن أبي خالد أن قوما منهم أبي بن كعب رضي الله عنه، وخلاد بن النعمان لما سمعوا قول الله تعالى: والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء قالوا: يا رسول الله، فما عدة من لا قرء لها من صغر أو كبر؟ فنزلت هذه الآية، فقال قائل منهم: فما عدة الحامل؟ فنزلت وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن ، وقد تقدم ذكر الخلاف في تأويل "إن ارتبتم".

و"أولات" جمع ذات، وأكثر أهل العلم على أن هذه الآية تعم الحوامل المطلقات والمعتدات من الوفاة، والحجة حديث سبيعة الأسلمية، قالت: "كنت تحت سعد بن خولة، فتوفي في حجة الوداع"، ووضعت حملها قبل أربعة أشهر، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: "قد حللت"، وأمرها أن تتزوج. وقال ابن مسعود رضي الله عنه: نزلت سورة النساء القصرى بعد الطولى، يعني أن قوله تعالى: وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن نزل بعد قوله تعالى: والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا ، وقال علي بن أبي طالب ، وابن عباس رضي الله عنهم: إنما هذه في المطلقات، وأما في الوفاة فعدة الحامل آخر الأجلين، إن وضعت قبل أربعة أشهر وعشر تمادت إلى آخرها، والقول الأول أشهر، وعليه الفقهاء، وقرأ الضحاك : "أحمالهن" على الجمع.

[ ص: 333 ] وأمر الله تعالى بإسكان المطلقات، ولا خلاف في ذلك في التي لم تبت، وأما المبتوتة فمالك رحمه الله تعالى يرى لها السكنى لمكان حفظ النسب، ولا يرى لها نفقة لأن النفقة بإزاء الاستمتاع، وهو قول الأوزاعي ، والشافعي ، وابن أبي ليلى ، وابن عبيد، وابن المسيب ، وعطاء ، والشعبي ، وسليمان بن يسار . وقال أصحاب الرأي والشورى: لها السكنى والنفقة، وقال جماعة من العلماء: ليس لها سكنى ولا نفقة.

و"الوجد": السعة في المال، وضم الواو وفتحها وكسرها هي كلها بمعنى واحد، وقرأ الجمهور: "وجدكم" بضم الواو بمعنى سعة الحال، وقرأ الأعرج -فيما ذكر عصمة-: "وجدكم" بفتح الواو، وذكرها أبو عمرو عن الحسن، وأبي حيوة، وقرأ الفياض بن غزوان، ويعقوب بكسر الواو، وذكرها المهدوي عن الأعرج ، وعمرو بن ميمون .

وأما الحامل فلا خلاف في وجوب سكناها ونفقتها، بتت أو لم تبت; لأنها مبينة في الآية، واختلفوا في نفقة الحامل المتوفى عنها زوجها على قولين لعلماء الأمة، فمنعها قوم، وأوجبها في التركة قوم، وكذلك النفقة على المرضع واجبة وهي الأجر مع الكسوة وسائر المؤن التي بسطها في كتب الفقه.

وقوله تعالى: وأتمروا بينكم بمعروف أي: ليأمر كل واحد صاحبه بخير، ولا شك أن من أمر بخير فهو أسرع إلى فعل ذلك الخير، وليقبل كل واحد ما أمر به من المعروف فالقبول والامتثال هو الائتمار، وقال الكسائي : "ائتمروا " معناه: تشاوروا، ومنه قوله تعالى: إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك ، ومنه قول امرئ القيس:


. . . . . . . . . ويعدو على المرء ما يأتمر



[ ص: 334 ] وقوله تعالى: "وإن تعاسرتم" أي: تشططت المرأة في الحد الذي يكون أجرة على الرضاع فللزوج أن يسترضع أخرى بما فيه رفقه، إلا إن لم يقبل المولود غير أمه فتجبر حينئذ على رضاعه بأجرة مثلها ومثل الزوج في حالهما أو غناهما. ثم خص الله تعالى أهل الجدة على الإنفاق وأهل الإقتار على التوسط، كل بقدر حاله، وهذا هو العدل بينهم لئلا تضيع هي ولا يتكلف هو ما لا يطيق.

واختلف العلماء في الذي يعجز عن نفقة امرأته - فقال مالك ، والشافعي ، وأحمد ، وإسحاق، وأبو هريرة ، وابن المسيب ، والحسن : يفرق بينهما، وقال أصحاب الرأي، وعمر بن عبد العزيز رضي الله عنه، وجماعة: لا يفرق بينهما، ثم رجى تعالى باليسر تسهيلا على النفوس وتطييبا لها.

وقرأ الجمهور: "ويعظم" بالياء، وقرأ الأعمش : "ونعظم" بالنون، واختلف عنه.

التالي السابق


الخدمات العلمية