1. الرئيسية
  2. تفسير ابن عطية
  3. تفسير سورة الإنسان
  4. قوله عز وجل عاليهم ثياب سندس خضر وإستبرق وحلوا أساور من فضة وسقاهم ربهم شرابا طهورا
صفحة جزء
قوله عز وجل:

عاليهم ثياب سندس خضر وإستبرق وحلوا أساور من فضة وسقاهم ربهم شرابا طهورا إن هذا كان لكم جزاء وكان سعيكم مشكورا إنا نحن نزلنا عليك القرآن تنزيلا فاصبر لحكم ربك ولا تطع منهم آثما أو كفورا واذكر اسم ربك بكرة وأصيلا ومن الليل فاسجد له وسبحه ليلا طويلا

قرأ نافع ، وحمزة ، وأبان عن عاصم : "عاليهم" على الرفع للابتداء، وهي قراءة [ ص: 497 ] الأعرج ، وأبي جعفر ، وشيبة ، وابن محيصن، وابن عباس بخلاف عنه-، وقرأ الباقون وعاصم : "عاليهم" بالنصب على الحال، والعامل فيه "لقاهم" أو "جزاهم" ، وهي قراءة عمر بن الخطاب ، وابن عباس ، والحسن ، ومجاهد ، والجحدري، وأهل مكة. وقرأ الأعمش ، وطلحة : "عاليتهم"، وكذلك هي في مصحف عبد الله ، وقرأ أيضا الأعمش : "عاليتهم" بالنصب على الحال، وقد يجوز في النصب في القراءتين أن تكون على الظرف; لأنه بمعنى: فوقهم، وقرأت عائشة رضي الله عنها: "علتهم" بتاء فعل ماض، وقرأ مجاهد ، وقتادة ، وابن سيرين ، وأبو حيوة: "عليهم" بالياء.

و"السندس" رقيق الديباج والمرتفع منه، وقيل: "السندس" هو الحرير الأخضر، و"الإستبرق" والدمقس هما الأبيض، والأرجوان هو الأحمر. وقرأ حمزة والكسائي : "خضر وإستبرق" بالخفض فيهما، وهى قراءة الأعمش ، وطلحة ، ورويت عن الحسن، وابن عمر -بخلاف عنهما-، على أن "خضرا" نعت للسندس، وجائز جمع صفة اسم الجنس إذا كان اسما مفردا كما قالوا: "أهلك الناس الدينار الصفر والدرهم البيض"، وفي هذا قبح، والعرب تفرد اسم الجنس وهو جمع أحيانا فيقولون: "هو حصى أبيض"، وفي القرآن: من الشجر الأخضر ، و"نخل منقعر" فكيف بأن لا يفرد هذا الذي هو صفة لواحد في معنى جمع. "وإستبرق" في هذه القراءة عطف على سندس، وقرأ نافع ، وحفص عن عاصم ، والحسن ، وعيسى : "خضر وإستبرق" بالرفع فيهما، "خضر" نعت لـ "ثياب"، و"إستبرق" عطف على "ثياب"، وقرأ أبو عمرو ، وابن عامر ، ونافع أيضا "خضر" رفعا و"إستبرق" خفضا، و"خضر" صفة لـ "ثياب" و"إستبرق" عطف على "سندس"، وقرأ ابن كثير ، وعاصم -في رواية أبي بكر - "خضر" خفضا "وإستبرق" رفعا، فخفض "خضر" على ما تقدم أولا، "وإستبرق" عطف على "ثياب"، و"الإستبرق" غليظ الديباج، وقرأ ابن محيصن: "وإستبرق" موصولة الألف مفتوحة القاف، كأنه مثال الماضي من برق وإستبرق كعجب واستعجب، قال أبو حاتم : لا يجوز، والصواب أنه اسم جنس لا ينبغي أن يحمل ضميرا، ويؤيد ذلك دخول اللام المعرفة عليه، والصواب فيه قطع الألف وإجراؤه على [ ص: 498 ] قراءة الجماعة وقرأ أبو حيوة "عليهم ثياب" بالرفع "سندس خضر وإستبرق" رفعا في الثلاثة، وقوله تعالى: "وحلوا" أي: جعل لهم حلي، و"أساور" جمع أسورة، وأسورة جمع سوار، وهي من حلي الذراع.

قوله تعالى: "شرابا طهورا"، قال أبو قلابة ، والنخعي : معناه لا يصير بولا بل يكون رشحا من الأبدان أطيب من المسك، وهنا محذوف يقتضيه القول تقديره: يقول الله تعالى لهم والملائكة عنه: إن هذا كان لكم جزاء الآية.

وقوله تعالى: إنا نحن نزلنا عليك القرآن الآية... تثبيت لمحمد صلى الله عليه وسلم، وتقوية لنفسه على أفعال قريش وأحوالهم، و"حكم ربه" تعالى أن يبلغ ويكافح ويتحمل المشقة ويصبر على الأذى ليعرف الله تعالى إليهم. وقوله تعالى: آثما أو كفورا هو تخيير في أن يعرف الذي ينبغي أن لا يطيعه بأي وصف كان من هذين; لأن كل واحد منهم فهو آثم وهو كفور، ولم تكن الأمة حينئذ من الكثرة بحيث يقع الإثم على العاصي، واللفظ أيضا يقتضي نهي الإمام عن طاعة آثم من العصاة أو كفور من المشركين، وقال أبو عبيدة : "أو" بمعنى "الواو" وليس في هذا تخيير.

ثم أمره تعالى بذكر ربه عز وجل دأبا بكرة وأصيلا، ومن الليل بالسجود والتسبيح الذي هو الصلاة، ويحتمل أن يريد قول: "سبحان الله"، وذهب قوم من أهل العلم إلى أن هذه الآية إشارة إلى الصلوات الخمس، منهم ابن حبيب وغيره، فالبكرة: صلاة الصبح، والأصيل الظهر والعصر، ومن الليل: المغرب والعشاء، وقال ابن زيد وغيره: كان هذا فرضا ونسخ فلا فرض إلا الخمسة، وقال قوم، هو محكم على جهة الندب.

التالي السابق


الخدمات العلمية