صفحة جزء
قوله عز وجل:

فأما من طغى وآثر الحياة الدنيا فإن الجحيم هي المأوى وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى يسألونك عن الساعة أيان مرساها فيم أنت من ذكراها إلى ربك منتهاها إنما أنت منذر من يخشاها كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها

"طغى" معناه: تجاوز الحدود التي ينبغي للإنسان أن يقف عندها، و"آثر الحياة الدنيا" على الآخرة لتكذيبه بالآخرة، و"المأوى" والمسكن حيث يأوي المرء ويلازم. و"مقام ربه" هو القيامة وإنما المراد: مقام بين يدي ربه، فأضاف المقام إلى الله تعالى من حيث هو بين يديه، وفي ذلك تفخيم للمقام وتعظيم لهوله وموقعه من [ ص: 534 ] النفوس، قال ابن عباس رضي الله عنهما: المعنى: خافه عند المعصية فانتهى عنها. و"الهوى" هو شهوات النفس وما جرى مجراها، وأكثر استعماله إنما هو في غير المحدود، قال سهل التستري : لا يسلم من الهوى إلا الأنبياء عليهم السلام وبعض الصديقين، وقال بعض الحكماء: إذا أردت الصواب فانظر هواك فخالفه، وقال الفضل بن عياض: أفضل الأعمال خلاف الهوى.

وقوله تعالى: يسألونك عن الساعة الآية. . . نزلت بسبب أن قريشا كانت تلح في البحث عن وقت الساعة التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبرهم بها ويتوعدهم بأمرها ويكثر من ذلك، و"أيان مرساها" معناه: متى ثبوتها ووقت رسوها، أي ثبوتها، كأنه شيء يسير إلى غاية ما ثم يقف كما تفعل السفينة التي ترسو، وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي : "إيان" بكسر الألف.

ثم قال تعالى لنبيه عليه السلام -على جهة التوقيف-: "فيم أنت من ذكراها"، أي: من ذكر تحديدها ووقتها، أي: لست من ذلك في شيء، "إنما أنت منذر"، وقالت عائشة رضي الله عنها: كان النبي صلى الله عليه وسلم يسأل عن الساعة كثيرا، فلما نزلت هذه الآية انتهى.

وقرأ أبو جعفر ، وعمر بن عبد العزيز ، وأبو عمرو بخلاف- وابن محيصن، والأعرج ، وطلحة ، وعيسى : "منذر" بتنوين "منذر" وقرأ جمهور القراء: "منذر من يخشاها" بإضافة "منذر" إلى "من".

ثم قرب تعالى أمر الساعة بإخباره أن الإنسان عند رؤيته إياها لم يلبث إلا عشية يوم أو بكرته، فأضاف "الضحى" إلى "العشية" من حيث هما طرفان للنهار، وقد بدأ بذكر أحدهما فأضاف الآخر إليه تجوزا وإيجازا.

كمل تفسير سورة [النازعات] والحمد لله رب العالمين

التالي السابق


الخدمات العلمية