صفحة جزء
قوله عز وجل:

ومصدقا لما بين يدي من التوراة ولأحل لكم بعض الذي حرم عليكم وجئتكم بآية من ربكم فاتقوا الله وأطيعون إن الله ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم

قوله: "مصدقا" حال معطوفة على قوله: أني قد جئتكم بآية . لأن قوله في موضع الحال، وكان عيسى عليه السلام مصدقا للتوراة متبعا عاملا بما فيها. قال وهب بن منبه: كان يسبت ويستقبل بيت المقدس.

وقال قتادة في تفسير قوله: ولأحل لكم بعض الذي حرم عليكم ، كان الذي جاء به عيسى ألين من الذي جاء به موسى، وقال ابن جريج: أحل لهم لحوم الإبل والشحوم، قال الربيع: وأشياء من السمك، وما لا صئصئة له من الطير. وكان في التوراة محرمات تركها شرع عيسى على حالها، فلفظة البعض على هذا متمكنة، وقال أبو عبيدة: البعض في هذه الآية بمعنى الكل، وخطأه الناس في هذه المقالة، وأنشد أبو عبيدة شاهدا على قوله بيت لبيد:


تراك أمكنة إذا لم يرضها أو يخترم بعض النفوس حمامها



[ ص: 232 ] وليست في البيت له حجة، لأن لبيدا أراد نفسه فهو تبعيض صحيح، وذهب بعض المفسرين إلى أن قوله تعالى: حرم عليكم إشارة إلى ما حرمه الأحبار بعد موسى وشرعوه، فكأن عيسى رد أحكام التوراة إلى حقائقها التي نزلت من عند الله تعالى.

وقرأ عكرمة: "حرم عليكم" بفتح الحاء والراء المشددة، وإسناد الفعل إلى الله تعالى أو إلى موسى عليه السلام. وقرأ الجمهور: "وجئتكم بآية"، وفي مصحف عبد الله بن مسعود: "وجئتكم بآيات من ربكم". وقوله تعالى: فاتقوا الله وأطيعون تحذير ودعاء إلى الله تعالى.

وقرأ جمهور الناس: إن الله ربي وربكم بكسر الألف على استئناف الخبر، وقرأه قوم "أن الله ربي وربكم" بفتح الألف. قال الطبري: "إن" بدل من "آية" ، في قوله: جئتكم بآية ، وفي هذا ضعف، وإنما التقدير: أطيعوني، لأن الله ربي وربكم، أو يكون المعنى: لأن الله ربي وربكم فاعبدوه.

وقوله: هذا صراط مستقيم إشارة إلى قوله: إن الله ربي وربكم فاعبدوه ، لأن ألفاظه جمعت الإيمان والطاعات. والصراط: الطريق، والمستقيم: الذي لا اعوجاج فيه.

التالي السابق


الخدمات العلمية