قوله عز وجل: 
والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك وبالآخرة هم يوقنون أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون  [ ص: 108 ] اختلف المتأولون فيمن المراد بهذه الآية، وبالتي قبلها، فقال قوم: الآيتان جميعا في جميع المؤمنين، وقال آخرون: هما في مؤمني أهل الكتاب، وقال آخرون: الآية الأولى في مؤمني 
العرب  ، والثانية في مؤمني أهل الكتاب، 
 nindex.php?page=showalam&ids=106كعبد الله بن سلام  ، وفيه نزلت. 
قال 
القاضي أبو محمد  رحمه الله: 
وهذه الأقوال تتعارض، فمن جعل الآيتين في صنف واحد، فإعراب "الذين" خفض على العطف، ويصح أن يكون رفعا على الاستئناف أي: "وهم الذين"، ومن جعل الآيتين في صنفين فإعراب "الذين" رفع على الابتداء، وخبره 
أولئك على هدى  . 
وقوله: 
بما أنزل إليك يعني القرآن، 
وما أنزل من قبلك يعني الكتب السالفة، وقرأ 
أبو حيوة  ، 
ويزيد بن قطيب   "بما أنزل" و "ما أنزل" بفتح الهمزة فيهما خاصة، والفعل على هذا يحتمل أن يستند إلى الله تعالى، ويحتمل إلى 
جبريل  ، والأول أظهر وألزم. 
و"بالآخرة" قيل: معناه بالدار الآخرة، وقيل: بالنشأة الآخرة. 
و"يوقنون" معناه: يعلمون علما متمكنا في نفوسهم، واليقين أعلى درجات العلم، وهو الذي لا يمكن أن يدخله شك بوجه. 
وقول 
 nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك  رحمه الله: "فيحلف على يقينه ثم يخرج الأمر على خلاف ذلك"، تجوز في العبارة على عرف تجوز 
العرب  ، ولم يقصد تحرير الكلام في اليقين.  
[ ص: 109 ] وقوله تعالى: "أولئك" إشارة إلى المذكورين و"أولاء" جمع (ذا)، وهو مبني على الكسر، لأنه ضعف لإبهامه عن قوة الأسماء، وكان أصل البناء السكون، فحرك لالتقاء الساكنين، و"الكاف" للخطاب، و "الهدى" هنا الإرشاد، و"أولئك" الثاني ابتداء، و"المفلحون" خبره، و"هم" فصل؛ لأنه وقع بين معرفتين، ويصح أن يكون "هم" ابتداء و"المفلحون" خبره، والجملة خبر "أولئك". 
والفلح: الظفر بالبغية، وإدراك الأمل، ومنه قول لبيد: 
واعقلي -إن كنت لما تعقلي- ولقد أفلح من كان عقل 
وقد وردت 
للعرب  أشعار فيها الفلاح بمعنى البقاء كقوله: 
 ......................................     ونرجو الفلاح بعد عاد وحمير 
وكقول الأضبط: 
لكل هم من الهموم سعه     والصبح والمسي لا فلاح معه 
والبقاء يعمه إدراك الأمل والظفر بالبغية، إذ هو رأس ذلك وملاكه، وحكى 
 nindex.php?page=showalam&ids=14248الخليل  الفلاح على المعنيين.