صفحة جزء
قوله عز وجل:

للذين استجابوا لربهم الحسنى والذين لم يستجيبوا له لو أن لهم ما في الأرض جميعا ومثله معه لافتدوا به أولئك لهم سوء الحساب ومأواهم جهنم وبئس المهاد أفمن يعلم أنما أنزل إليك من ربك الحق كمن هو أعمى إنما يتذكر أولو الألباب الذين يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساب

الذين استجابوا هم المؤمنون الذين دعاهم الله على لسان رسوله عليه الصلاة والسلام فأجابوه إلى ما دعاهم إليه من اتباع دينه.

و"الحسنى": هي الجنة، ويدخل في هذا النصر في الدنيا ونحو ذلك من البشارات التي تكون للمؤمن وكل ما يختص به المؤمنون من نعم الله عز وجل.

والذين لم يستجيبوا هم: الكفرة. و سوء الحساب هو التقصي على المحاسب، وأن لا يقع في حسابه من التجاوز. قاله حوشب، وإبراهيم النخعي، [ ص: 199 ] وفرقد السبخي وغيره. و "المأوى)" حيث يأوي الإنسان ويسكن، و"المهاد" ما يفترش ويلبس بالجلوس والرقاد.

وقوله تعالى: أفمن يعلم استفهام بمعنى التقرير، والمعنى: أيستوي من هداه الله تعالى فآمن بك وعلم صدق نبوتك ومن لم يهتد ولا رزق بصيرة فبقي على كفره؟ فمثل عز وجل ذلك بالعمى، وروي أن هذه الآية نزلت في حمزة بن عبد المطلب وأبي جهل بن هشام، وقيل: في عمار بن ياسر وأبي جهل، وهي -بعد هذا- مثال في جميع العالم. و"إنما" في هذه الآية حاصرة، أي: إنما يتذكر فيؤمن ويراقب الله من له لب وتحصيل.

ثم أخذ تبارك وتعالى في وصف هؤلاء الذين يسرهم للإيمان فقال: الذين يوفون بعهد الله وقوله: بعهد الله اسم للجنس، أي بجميع عهوده، وهي أوامره ونواهيه التي وصى بها عبيده، ويدخل في هذه الألفاظ التزام جميع الفروض وتجنب جميع المعاصي.

وقوله تعالى: ولا ينقضون الميثاق يحتمل أن يريد به جنس المواثيق، أي: إذا عقدوا في طاعة الله عهدا لم ينقضوه، قال قتادة : وتقدم الله إلى عباده في نقض الميثاق ونهى عنه في بضع وعشرين آية، ويحتمل أن يشير إلى ميثاق معين وهو الذي أخذه الله على عباده وقت مسحه على ظهر أبيهم آدم عليه السلام.

ووصل ما أمر الله به أن يوصل ظاهره في القرابات، وهو مع ذلك يتناول جميع الطاعات، وسوء الحساب هو أن يتقصى، ولا تقع فيه مسامحة ولا تغمد.

التالي السابق


الخدمات العلمية