صفحة جزء
قوله عز وجل:

لو يعلم الذين كفروا حين لا يكفون عن وجوههم النار ولا عن ظهورهم ولا هم ينصرون بل تأتيهم بغتة فتبهتهم فلا يستطيعون ردها ولا هم ينظرون ولقد استهزئ برسل من قبلك فحاق بالذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزئون

حذف جواب "لو" إيجازا لدلالة الكلام عليه، وأبهم قدر العذاب لأنه أبلغ وأهيب من النص عليه، وهذا محذوف نحو قوله تعالى: ولو أن قرآنا سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى ، ويقدر المحذوف في جواب هذه الآية: لما استعجلوه، ونحوه. وقوله تعالى: حين لا يكفون عن وجوههم النار يريد يوم القيامة، وذكر الوجوه خاصة لشرفها من الإنسان وأنها موضع حواسه وهو أحرص على الدفاع عنها، ثم ذكر الظهور ليبين عموم النار لجميع أبدانهم.

وقوله تعالى: "بل تأتيهم" استدراك مقدر قبله نفي تقديره: إن الآيات لا تأتي بحسب اقتراحهم بل تأتيهم بغتة، والضمير للساعة التي تصيرهم إلى العذاب، ويحتمل أن يكون للنار، وقرأت فرقة: "بل يأتيهم" بالياء على أن الضمير للوعد، "فيبهتهم" بالياء على أن الضمير للوعد أيضا، و "البغتة": الفجأة من غير مقدمة، و "ينظرون" معناه: يؤخرون.

ثم آنس الله تعالى محمدا صلى الله عليه وسلم بما جرى على سائر الأنبياء من استهزاء قومهم بهم وحلول العذاب بالمستهزئين، و "حاق" معناه: نزل وحل، وهي مستعملة في العذاب والمكاره. وقوله تعالى: "ما كانوا" فيه محذوف تقديره: جزاء ما كانوا، و نحوه، ومع هذا التأنيس الذي لمحمد صلى الله عليه وسلم وعيد للكفرة وضرب مثل له بمن سلف من الأمم.

[ ص: 171 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية