صفحة جزء
قوله عز وجل:

ونجيناه ولوطا إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين ووهبنا له إسحاق ويعقوب نافلة وكلا جعلنا صالحين وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا وأوحينا إليهم فعل الخيرات وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وكانوا لنا عابدين

روي أن إبراهيم عليه السلام لما أخرج من النار أحضره النمرود وكلمه، ثم ختم الله عليه بالكفر فلج وقال لإبراهيم في بعض قوله: يا إبراهيم أين جنود ربك الذي تزعم؟ فقال له: سيريك فعل أضعف جنوده، فبعث الله تعالى على نمرود وأصحابه سحابة من بعوض فأكلتهم عن آخرهم ودوابهم حتى كانت العظام تلوح بيضا، ودخلت منها بعوضة في رأس نمرود فكان رأسه يضرب بالعيدان وغيرها، ودام تعذيبه بها زمنا طويلا وهلك منها، وخرج إبراهيم عليه السلام وابن أخيه لوط عليه السلام من تلك الأرض مهاجرين، وهي كوثا من العراق ، ومع إبراهيم عليه السلام ابنة عمه سارة زوجه، وفي تلك السفرة لقي الجبار الذي رام أخذها منه.

واختلف الناس في الأرض التي بورك فيها ونجى الله إليها إبراهيم ولوطا عليهما السلام، فقالت فرقة: هي مكة ، وذكروا قول الله عز وجل: للذي ببكة مباركا ، وقال الجمهور: من أرض الشام ، وهي الأرض التي بارك الله فيها، أما من جهة الآخرة فبالنبوة والإيمان، وأما من جهة الدنيا ففي أطيب بلاد الله أرضا، وأعذبها ماء، وأكثرها ثمرة ونعمة، وهو الموضع المعروف بسكنى إبراهيم وعقبه، وروي أنه ليس في الأرض ماء عذب إلا وأصله وخروجه من تحت صخرة بيت المقدس .

قال القاضي أبو محمد رحمه الله :

وهذا ضعيف. وهي أرض المحشر، وفيها يجمع الناس، وفيها ينزل عيسى بن مريم عليه السلام ، وبها يهلك المسيح الدجال ، وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال يوما في خطبة: إنه كان بالشام جند، وبالعراق جند، وباليمن جند"، فقال رجل: [ ص: 182 ] يا رسول الله، خر لي، فقال: "عليك بالشام فإن الله قد تكفل لي بالشام وأهله، ومن بقي فليلحق بأمنه ، وقال عمر رضي الله تعالى عنه لكعب الأحبار : ألا تتحول إلى المدينة ؟ فقال: يا أمير المؤمنين إني أجد في كتاب الله المنزل أن الشام كنز الله من أرضه، وبها كنزه من عباده، وروي أن إبراهيم ولوطا عليهما السلام هاجرا من كوثا ومرا بمصر ، وليست بالطريق ولكنهم نكبوا خوف الاتباع حتى جاءوا الشام ، فنزل إبراهيم السبع من أرض فلسطين وهي برية الشام ، ونزل لوط بالمؤتفكة .

و "إسحاق" هو ابن إبراهيم عليهما السلام، و " يعقوب " ولد إسحاق عليهما السلام، و "النافلة": العطية، كما تقول: نفلني الإمام كذا، ونافلة الطاعة كأنها عطية من الله تعالى لعباده يثيبهم عليها، وقالت فرقة: الموهوب إسحاق ، و "النافلة" يعقوب عليهما السلام، والأول أبين، و "يهدون" معناه: يرشدون غيرهم، و "إقام" مصدر، وفي هذا نظر.

التالي السابق


الخدمات العلمية