صفحة جزء
وإلى عاد أخاهم هودا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره أفلا تتقون

وإلى عاد متعلق بمضمر معطوف على قوله تعالى : " أرسلنا " في قصة نوح عليه السلام .

وهو الناصب لقوله تعالى : أخاهم ; أي : وأرسلنا إلى عاد أخاهم ; أي : واحدا منهم في النسب لا في الدين ، كقولهم : يا أخا العرب .

وقيل : العامل فيهما الفعل المذكور فيما سبق ، وأخاهم معطوف على نوحا ، والأول هو الأولى ، وأيا ما كان فلعل تقديم المجرور ههنا على المفعول الصريح ; للحذار عن الإضمار قبل الذكر ، يرشدك إلى ذلك ما سيأتي من قوله تعالى : " ولوطا ... " إلخ ; فإن قومه لما لم يعهدوا باسم معروف يقتضي الحال ذكره عليه السلام مضافا إليهم ، كما في قصة عاد ، وثمود ، ومدين ، خولف في النظم الكريم بين قصته عليه السلام وبين القصص الثلاث .

وقوله تعالى : هودا عطف بيان لأخاهم ، وهو هود بن عبد الله بن رباح بن الخلود ابن عاد بن عوص ابن أرم بن سام بن نوح عليه السلام . وقيل : هود بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح بن عم أبي عاد . وإنما جعل منهم ; لأنهم أفهم لكلامه وأعرف بحاله في صدقه وأمانته ، وأقرب إلى اتباعه .

قال استئناف مبني على سؤال نشأ من حكاية إرساله عليه السلام إليهم ، كأنه قيل : فماذا قال لهم ؟ فقيل : قال .

قال يا قوم اعبدوا الله ; أي : وحدوه ، كما يعرب عنه قوله : ما لكم من إله غيره فإنه استئناف جار مجرى البيان للعبادة المأمور بها ، والتعليل لها أو للأمر بها ، كأنه قيل : خصوه بالعبادة ولا تشركوا به شيئا ; إذ ليس لكم إله سواه . و" غيره " بالرفع صفة لإله باعتبار محله ، وقرئ بالجر حملا له على لفظه .

أفلا تتقون إنكار واستبعاد لعدم اتقائهم عذاب الله تعالى بعد ما علموا ما حل بقوم نوح .

والفاء للعطف على مقدر يقتضيه المقام ; أي : ألا تتفكرون ، أو أتغفلون ، فلا تتقون ; فالتوبيخ على المعطوفين معا ، أو أتعلمون ذلك فلا تتقون ، فالتوبيخ على المعطوف فقط .

وفي سورة هود : أفلا تعقلون ، ولعله عليه السلام خاطبهم بكل منهما ، وقد اكتفي بحكاية كل منهما في موطن عن حكايته في موطن آخر ، كما لم يذكر ههنا ما ذكر هناك من قوله تعالى : إن أنتم إلا مفترون ، وقس على ذلك حال بقية ما ذكر وما لم يذكر من أجزاء القصة ، بل [ ص: 238 ] حال نظائره في سائر القصص ، لا سيما في المحاورات الجارية في الأوقات المتعددة ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية