صفحة جزء
يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الأدبار

يا أيها الذين آمنوا خطاب للمؤمنين بحكم كلي جار فيما سيقع من الوقائع والحروب، جيء به في تضاعيف القصة؛ إظهارا للاعتناء بشأنه، ومبالغة في حضهم على المحافظة عليه إذا لقيتم الذين كفروا زحفا الزحف الدبيب، يقال: زحف الصبي زحفا إذا دب على إسته قليلا قليلا، سمي به الجيش الداهم المتوجه إلى العدو؛ لأنه لكثرته وتكاثفه يرى كأنه يزحف، وذلك لأن الكل يرى كجسم واحد متصل، فيحس حركته بالقياس إليه في غاية البطء وإن كانت في نفس الأمر على غاية السرعة قال قائلهم:


وأرعن مثل الطود تحسب أنهم وقوف لحاج والركاب تهملج



ونصبه إما على أنه حال من مفعول (لقيتم)، أي: زاحفين نحوكم، وإما على أنه مصدر مؤكد لفعل مضمر هو الحال منه، أي: يزحفون زحفا، وأما كونه حالا من فاعله أو منه ومن مفعوله معا - كما قيل - فيأباه قوله تعالى: فلا تولوهم الأدبار إذ لا معنى لتقييد النهي عن الإدبار بتوجههم السابق إلى العدو أو بكثرتهم، بل توجه العدو إليهم وكثرتهم هو الداعي إلى الإدبار عادة، والمحوج إلى النهي عنه، وحمله على الإشعار بما سيكون منهم يوم حنين - حيث تولوا مدبرين وهم زحف من الزحوف اثنا عشر ألفا - بعيد، والمعنى: إذا لقيتموهم للقتال وهم كثير جم وأنتم قليل فلا تولوهم أدباركم فضلا عن الفرار، بل قابلوهم وقاتلوهم مع قلتكم فضلا عن أن تدانوهم في العدد، أو تساووهم.

التالي السابق


الخدمات العلمية