صفحة جزء
فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية وإن كثيرا من الناس عن آياتنا لغافلون

فاليوم ننجيك أي: نخرجك مما وقع فيه قومك من قعر البحر، ونجعلك طافيا، وفي التعبير عنه بالتنجية تلويح بأن مراده بالإيمان هو النجاة - كما مر - وتهكم به، أو نلقيك على نجوة من الأرض ليراك بنو إسرائيل، وقرئ (ننجيك) من الإنجاء، و(ننحيك) بالحاء من التنحية، أي: نلقيك بناحية الساحل ببدنك في موضع الحال من ضمير المخاطب، أي: ننجيك ملابسا ببدنك فقط لا مع روحك كما هو مطلوبك، فهو تخييب له وحسم لأطماعه بالمرة، أو عاريا عن اللباس، أو كاملا سويا، أو بدرعك وكانت له درع من الذهب يعرف بها، وقرئ (بأبدانك) أي: بأجزاء بدنك كلها، كقولهم: هوى بأجرامه، أو بدروعك، كأنه كان مظاهرا بينها.

لتكون لمن خلفك آية لمن وراءك علامة وهم بنو إسرائيل، إذ كان في نفوسهم من عظمته ما خيل إليهم أنه لا يهلك، حتى يروى أنهم لم يصدقوا موسى - عليه السلام - حين أخبرهم بغرقه إلى أن عاينوه مطرحا على ممرهم من الساحل، أو تكون لمن يأتي بعدك من الأمم - إذا سمعوا مآل أمرك ممن شاهدك - عبرة ونكالا من الطغيان، أو حجة تدلهم على أن الإنسان - وإن بلغ الغاية القصوى من عظم الشأن وعلو الكبرياء وقوة السلطان - فهو مملوك مقهور بعيد عن مظان الربوبية، وقرئ (لمن خلفك) فعلا ماضيا، أي: لمن خلفك من الجبابرة، وقرئ (لمن خلقك) بالقاف، أي: لتكون لخالقك آية كسائر الآيات، فإن إفراده سبحانه إياك بالإلقاء إلى الساحل دليل على أنه قصد منه لكشف تزويرك، وإماطة الشبهة في أمرك، وبرهان نير على كمال علمه وقدرته وحكمته وإرادته، وهذا الوجه محتمل على القراءة المشهورة أيضا، وفي تعليل تنجيته بما ذكر إيذان بأنها ليست لإعزازه، أو لفائدة أخرى عائدة إليه، بل لكمال الاستهانة به وتفضيحه على رءوس الأشهاد، وزيادة تفظيع حاله، كمن يقتل ثم يجر جسده في الأسواق، أو يدار برأسه في البلاد، واللام الأولى متعلقة بـ"ننجيك"، والثانية بمحذوف وقع حالا من (آية) أي: كائنة لمن خلفك.

وإن كثيرا من الناس عن آياتنا لغافلون لا يتفكرون فيها، ولا يعتبرون بها، وهو اعتراض تذييلي، جيء به عند الحكاية تقريرا لفحوى الكلام المحكي.

التالي السابق


الخدمات العلمية