صفحة جزء
واصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين

واصبر على مشاق ما أمرت به في تضاعيف الأوامر السابقة، وأما ما نهي عنه من الطغيان والركون إلى الذين ظلموا فليس في الانتهاء عنه مشقة، فلا وجه لتعميم الصبر له، اللهم إلا أن يراد به ما لا يمكن عادة خلو البشر عنه من أدنى ميل بحكم الطبيعة عن الاستقامة المأمور بها، ومن يسير ميل بحكم البشرية إلى من وجد منه ظلم ما، فإن في الاحتراز عن أمثاله من المشقة ما لا يخفي فإن الله لا يضيع أجر المحسنين أي: يوفيهم أجور أعمالهم من غير بخس أصلا، وإنما عبر عن ذلك بنفي الإضاعة - مع أن عدم إعطاء الأجر ليس بإضاعة حقيقة، كيف لا والأعمال غير موجبة للثواب حتى يلزم من تخلفه عنها ضياعها - لبيان كمال نزاهته تعالى عن ذلك بتصويره بصورة ما يمتنع صدوره عنه سبحانه من القبائح، وإبراز الإثابة في معرض الأمور الواجبة عليه، وإنما عدل عن الضمير ليكون كالبرهان على المقصود مع إفادة فائدة عامة لكل من يتصف به، وهو تعليل للأمر بالصبر، وفيه إيماء إلى أن الصبر على ما ذكر من باب الإحسان.

التالي السابق


الخدمات العلمية