صفحة جزء
وجاءت سيارة فأرسلوا واردهم فأدلى دلوه قال يا بشرى هذا غلام وأسروه بضاعة والله عليم بما يعملون

وجاءت شروع في بيان [ ص: 261 ] ما جرى على يوسف في الجب بعد الفراغ من ذكر ما وقع بين إخوته وبين أبيه، والتعبير بالمجيء ليس بالنسبة إلى مكانهم؛ فإن كنعان ليس بالجانب المصري من مدين، بل إلى مكان يوسف ، وفي إيثاره على المرور أو الإتيان أو نحوهما إيماء إلى كونه - عليه السلام - في الكرامة والزلفي عند مليك مقتدر، والظاهر أن الجب كان في الأمم المئتاه؛ فإن المتبادر من إسناد المجيء إلى السيارة مطلقا في قوله عز وجل: "وجاءت" سيارة أي: رفقة تسير من جهة مدين إلى مصر - وقوعه باعتبار سيرهم المعتاد، وهو الذي يقتضيه قوله تعالى فيما سلف: "يلتقطه بعض السيارة" وقد قيل: إنه كان في قفرة بعيدة من العمران لم تكن إلا للرعاة، فأخطئوا الطريق فنزلوا قريبا منه، وقيل: كان ماؤه ملحا فعذب حين ألقي فيه عليه السلام.

فأرسلوا واردهم الذي يرد الماء ويستقي لهم، وكان ذلك مالك بن ذعر الخزاعي، وإنما لم يذكر منتهى الإرسال - كما لم يذكر منتهى المجيء أعني: الجب - للإيذان بأن ذلك معهود لا يضرب عنه الذكر صفحا فأدلى دلوه أي: أرسلها إلى الجب، والحذف لما عرفته، فتدلى بها يوسف فخرج قال استئناف مبني على سؤال يقتضيه الحال يا بشرى هذا غلام كأنه نادى: البشرى، وقال: تعالي، فهذا أوانك، حيث فاز بنعمة باردة، وأي نعمة مكان ما يوجد مباحا من الماء، وقيل: هو اسم صاحب له ناداه ليعينه على إخراجه، وقرأ غير الكوفيين: (يا بشراي) وأمال فتحة الراء حمزة والكسائي، وقرأ ورش بين اللفظين، وقرئ (يا بشري) بالإدغام، وهي لغة و(بشراي) على قصد الوقف.

وأسروه أي: أخفاه الوارد وأصحابه عن بقية الرفقة، وقيل: أخفوا أمره ووجدانهم له في الجب، وقالوا لهم: دفعه إلينا أهل الماء لنبيعه لهم بمصر ، وقيل: الضمير لإخوة يوسف ، وذلك أن يهوذا كان يأتيه كل يوم بطعام، فأتاه يومئذ فلم يجده فيها فأخبر إخوته فأتوا الرفقة وقالوا: هذا غلامنا أبق فاشتروه منهم، وسكت يوسف؛ مخافة أن يقتلوه، ولا يخفي ما فيه من البعد.

بضاعة نصب على الحالية، أي: أخفوه حال كونه بضاعة، أي: متاعا للتجارة، فإنها قطعة من المال بضعت عنه، أي: قطعت للتجارة والله عليم بما يعملون وعيد لهم على ما صنعوا من جعلهم مثل يوسف - وهو هو - عرضة للابتذال بالبيع والشراء، وما دبروا في ذلك من الحيل.

التالي السابق


الخدمات العلمية