صفحة جزء
ألم يروا إلى الطير مسخرات في جو السماء ما يمسكهن إلا الله إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون

ألم يروا وقرئ: بالتاء. إلى الطير جمع طائر، أي: ألم ينظروا إليها مسخرات مذللات للطيران بما خلق لها من الأجنحة، والأسباب المساعدة له. وفيه مبالغة من حيث إن معنى التسخير جعل الشيء منقادا لآخر يتصرف فيه كيف يشاء، كتسخير البحر والفلك والدواب للإنسان، والواقع ههنا تسخير الهواء للطير لتطير فيه كيف تشاء، فكان مقتضى طبيعة الطير السقوط، فسخرها الله تعالى للطيران. وفيه تنبيه على أن الطيران ليس مقتضى طبع الطير بل ذلك بتسخير الله تعالى. في جو السماء أي: في الهواء المتباعد من الأرض والسكاك واللوح أبعد منه، وإضافته إلى السماء لما أنه في جانبها من الناظر، ولإظهار كمال القدرة. ما يمسكهن في الجو حين قبض أجنحتهن، وبسطها، ووقوفهن. إلا الله عز وجل بقدرته الواسعة، فإن ثقل جسدها، ورقة قوام الهواء يقتضيان سقوطها، ولا علاقة من فوقها، ولا دعامة من تحتها. وهو إما حال من الضمير المستتر في مسخرات، أو من الطير، وإما مستأنف. إن في ذلك الذي ذكر من تسخير الطير للطيران، بأن خلقها خلقة تتمكن بها منه بأن جعل لها أجنحة خفيفة، وأذنابا كذلك، وجعل أجسادها من الخفة بحيث إذا بسطت أجنحتها، وأذنابها لا يطيق ثقلها يخرق ما تحتها من الهواء الرقيق القوام، وتخرق ما بين يديها من الهواء; لأنها لا تلاقيه بحجم كبير. لآيات ظاهرة لقوم يؤمنون أي: من شأنهم أن يؤمنوا، وإنما خص ذلك بهم; لأنهم المنتفعون به.

التالي السابق


الخدمات العلمية