صفحة جزء
قال رب اجعل لي آية قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاث ليال سويا

قال رب اجعل لي آية أي: علامة تدلني على تحقق المسؤول، ووقوع الحبل. ولم يكن هذا السؤال منه عليه الصلاة والسلام لتأكيد البشارة وتحقيقها، كما قيل. فإن ذلك مما لا يليق بمنصب الرسالة، وإنما كان ذلك لتعريف وقت العلوق حيث كانت البشارة مطلقة عن تعيينه، وهو أمر خفي لا يوقف عليه فأراد أن يطلعه الله تعالى عليه ليتلقى تلك النعمة الجلية بالشكر من حين حدوثها، ولا يؤخره إلى أن تظهر ظهورا معتادا. وقد مرت الإشارة في تفسير سورة آل عمران إلى أن هذا السؤال ينبغي أن يكون بعدما مضى بعد البشارة برهة من الزمان لما روي أن يحيى كان أكبر من عيسى عليهما الصلاة والسلام بستة أشهر، أو بثلاث سنين. ولا ريب في أن دعاء زكريا عليه الصلاة والسلام كان في صغر مريم ، لقوله تعالى: هنالك دعا زكريا ربه وهي إنما ولدت عيسى عليه الصلاة والسلام، وهي بنت عشر سنين أو بنت ثلاث عشرة سنة. والجعل إبداعي، واللام متعلقة به، وتقديمها على المفعول به لما مر مرارا من الاعتناء بالمقدم والتشويق إلى المؤخر، أو بمحذوف وقع حالا من آية إذ لو تأخر لكان صفة لها، وقيل: بمعنى التصبير المستدعي لمفعولين، أو لهما آية، وثانيهما الظرف، وتقديمه; لأنه لا مسوغ لكون آية مبتدأ عند انحلال الجملة إلى مبتدأ وخبر سوى تقديم الظرف فلا يتغير حالهما بعد ورود الناسخ. قال آيتك ألا تكلم الناس أي: أن لا تقدر على أن تكلمهم بكلام الناس مع القدرة على الذكر والتسبيح. ثلاث ليال مع أيامهن للتصريح بها في سورة آل عمران. سويا حال من فاعل تكلم مفيد لكون انتفاء التكلم بطريق الاضطرار دون الاختيار، أي: تمنع الكلام فلا تطيق به حال كونك سوى الخلق سليم الجوارح ما بك شائبة بكم، ولا خرس.

التالي السابق


الخدمات العلمية