صفحة جزء
الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به تلك حدود الله فلا تعتدوها ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون .

الطلاق : هو بمعنى: "التطليق"؛ كـ "السلام"؛ بمعنى "التسليم"؛ والمراد به: الرجعي؛ لما أنه السابق؛ الأقرب حكمه؛ ولما روي أنه - صلى الله عليه وسلم - سئل عن الثالثة؛ فقال - صلى الله عليه وسلم -: "أو تسريح بإحسان"؛ وهو مبتدأ؛ بتقدير مضاف؛ خبره ما بعده؛ أي: عدد الطلاق الذي يستحق الزوج فيه الرد؛ والرجعة؛ حسبما بين آنفا؛ مرتان ؛ أي: اثنتان؛ وإيثار ما ورد به النظم الكريم عليه للإيذان بأن حقهما أن يقعا مرة بعد مرة؛ لا دفعة واحدة؛ وإن كان حكم الرد ثابتا حينئذ أيضا؛ فإمساك ؛ أي: فالحكم بعدهما إمساك لهن بالرجعة؛ بمعروف ؛ أي: بحسن عشرة؛ ولطف معاملة؛ أو تسريح بإحسان ؛ بالطلقة الثالثة؛ كما روي عنه - صلى الله عليه وسلم -؛ أو بعدم الرجعة إلى أن تنقضي العدة؛ فتبين؛ وقيل: المراد به: الطلاق الشرعي؛ وبالمرتين: مطلق التكرير؛ لا التثنية بعينها؛ كما في قوله (تعالى): ثم ارجع البصر كرتين ؛ أي: كرة بعد كرة؛ والمعنى أن التطليق الشرعي تطليقة بعد تطليقة؛ على التفريق؛ دون الجمع بين الطلقتين؛ أو الثلاث؛ فإن ذلك بدعة عندنا؛ فقوله (تعالى): فإمساك ؛ إلخ.. حكم مبتدأ؛ وتخيير مستأنف؛ والفاء فيه للترتيب على التعليم؛ كأنه قيل: "إذا علمتم كيفية التطليق فأمركم أحد الأمرين؛ ولا يحل لكم أن تأخذوا ؛ منهن؛ بمقابلة الطلاق؛ مما آتيتموهن ؛ أي: من الصدقات؛ وتخصيصها بالذكر؛ وإن شاركها في الحكم سائر أموالهن؛ إما لرعاية العادة؛ أو للتنبيه على أنه إذا لم يحل لهم أن يأخذوا مما آتوهن بمقابلة البضع عند خروجه عن ملكهم فلأن لا يحل أن يأخذوا مما لا تعلق له بالبضع أولى؛ وأحرى؛ شيئا ؛ أي: نزرا يسيرا؛ فضلا عن الكثير؛ وتقديم الظرف عليه لما مر مرارا؛ والخطاب مع الحكام؛ وإسناد الأخذ والإيتاء إليهم لأنهم الآمرون بهما عند المرافعة؛ وقيل: مع الأزواج؛ وما بعده مع الحكام؛ وذلك مما يشوش النظم الكريم؛ على القراءة المشهورة.

إلا أن يخافا ؛ أي: الزوجان؛ وقرئ: "يظنا"؛ وهو مؤيد لتفسير الخوف بالظن؛ ألا يقيما حدود الله ؛ أي: ألا يراعيا مواجب أحكام الزوجية؛ وقرئ: "يخافا"؛ على البناء للمفعول؛ وإبدال "أن" بصلته من الضمير بدل الاشتمال؛ وقرئ: "تخافا"؛ و"تقيما"؛ بتاء الخطاب؛ فإن خفتم ؛ أيها الحكام؛ ألا يقيما ؛ أي: الزوجان؛ حدود الله ؛ بمشاهدة بعض الأمارات؛ والمخايل؛ فلا جناح عليهما ؛ أي: على الزوجين؛ فيما افتدت به ؛ لا على الزوج في أخذ ما افتدت به؛ ولا عليها في إعطائه إياه؛ وروي أن جميلة بنت عبد الله بن أبي بن سلول كانت تبغض زوجها ثابت بن قيس؛ فأتت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت: "لا أنا؛ ولا ثابت؛ لا يجمع رأسي ورأسه شيء؛ والله ما أعيب عليه في دين؛ ولا خلق؛ ولكن أكره الكفر في الإسلام؛ ما أطيقه بغضا؛ إني رفعت جانب الخباء فرأيته أقبل في عدة؛ فإذا هو أشدهم سوادا؛ [ ص: 227 ] وأقصرهم قامة؛ وأقبحهم وجها"؛ فنزلت؛ فاختلعت منه بحديقة كان أصدقها إياها.

تلك ؛ أي: الأحكام المذكورة حدود الله فلا تعتدوها ؛ بالمخالفة؛ والرفض؛ ومن يتعد حدود الله فأولئك ؛ المتعدون؛ والجمع باعتبار معنى الموصول؛ هم الظالمون ؛ أي: لأنفسهم؛ بتعريضها لسخط الله (تعالى)؛ وعقابه؛ ووضع الاسم الجليل في المواقع الثلاثة الأخيرة موقع الضمير؛ لتربية المهابة؛ وإدخال الروعة؛ وتعقيب النهي بالوعيد للمبالغة في التهديد.

التالي السابق


الخدمات العلمية